مسرح السيد حافظ السياسى

أصبحت كلمة هزيمة وبعبارة أخرى 5 يونيو شبحاً يقلق الإنسان العربى فى حلمه ويقظته وذكر هذا التاريخ أصبح كالفيء لطرح مجموعة من الأسئلة اختلفت الإجابة حولها، لكن ما هى هذه الإجابة؟ إنها مجموعة من الدراسات والأبحاث والأشرطة السينمائية والأعمال المسرحية والروائية والقصصية و…

فمن أهم الدراسات والأبحاث التى تناولت هذه النكسة جذور حرب يونيو للمشير الجمصى ودروس أكتوبر لحسين فهمى وحرب الأيام الستة لونستون تشرشل… أما من أهم الأشرطة السينمائية فشريط العصفور ليوسف شاهين وشريط الخوف لسعد مرزوق وشريط الظلال على الجانب الآخر لغالب شعت وبورسعيد لعز الدين ذو الفقار وشريط سمراء سيناء لنيازى مصطفى" . أما إذا انتقلنا إلى المسرح فيطلعنا السيد حافظ بمسرحياته الغاضبة التى تناولت بالنقد السياسى نكسة حزيران 1967 وأسبابها، ومسرحية "ستة رجال فى معتقل بـ/500 شمال حيفا" تندرج فى هذا الإطار.

تدخل هذه المسرحية إذن فى إطار تحديد الأخطاء التى كانت سبباً فى نكسة 1967 فالسيد حافظ فى هذه المسرحية يضع ستة جنود من القوات المسلحة المصرية فى أحد المعتقلات بالأراضى المحتلة بعد هزيمة الجيش المصرى أمام العدو الصهيونى، وهؤلاء الجنود يحتفلون فى رتبهم العسكرية، فمحمد وحسنين وعبد القوى جنود بسطاء لا يحملون أية رتب عسكرية، أما رأفت وحسين وضياء فكلهم من الضباط: (أما تكون عايزنى أنا خدامك وخدام النقيب حسين وخدام الملازم أول ضياء..) وهذا الاختلاف فى الرتب العسكرية يصاحبه اختلاف فى الانتماء الاجتماعى فمحمد وحسنين وعبد القوى بحكم رتبهم.

فإنهم ينتمون إلى الطبقة الفقيرة من المجتمع، أما الضباط الثلاثة فنجد حسين من نفس طبقة الجنود إلا أنه تنكر لطبقته بمجرد حمله رتبة ضابط وانفتح على الطبقة الأرستقراطية عبر زوجته، أما رأفت فإنه الوحيد بينهم الذى ينتمى للعائلة الأرستقراطية المصرية (العجمى أحلام هاوى.. بابا.. أنا رجعت أنا عايز أروح الفيلا بتاعت المعمورة عايز أرقص أغنى واستحمى فى البحر تحت الشمس) ، (إيه رأيك فى العربية المرسيدس جميلة مش كده..) .

وهؤلاء الجنود فى اختلاف رتبهم العسكرية والاجتماعية فإنهم - بطبيعة الحال يختلفون فى وعيهم وثقافتهم وتكوينهم النفسى.. ولست بعيداً عن بيت القصيد إذا قلت إن السيد حافظ أراد أن يعكس فى شخص هؤلاء المؤسسة العسكرية المصرية بكاملها باختلاف ضباطها وجنودها وطبيعة العلاقة بينهم، ما نلمسه بشكل واضح من خلال الحوار أو الصراع سواء داخل المعتقل أو خارجه عن طريق الفلاش باك، ومن حيث كونها انتماءات اجتماعية مختلفة فإنها (إلى المسرحية) تصور المجتمع المصرى برمته بكل سلبياته وتناقضاته فتقف عند الأخلاق، والدين، والحضارة، والخيانة والاستسلام وغيرها.

يتعرض هؤلاء الجنود داخل زنزاناتهم لشتى أنواع الضغوط المادية والمعنوية بدءً من التعذيب الجسدى (الضرب) والنفسى ومحاولة استيعابهم ليكونوا بيادق يعملون لصالح العدو داخل وطنهم من خلال شرائهم سواء بمسائل مادية أو جنسية.. وفى مقابل كل هذه المحاولات المحمومة للعدو نسجل صمود الجنود وإصرارهم على الإضراب الذى أقدموا عليه تعبيراً عن رفضهم للهزيمة وللعدو – وهو فى الحقيقة رفض الأمة العربية ككل لوجود هذا العدو الدخيل – باستثناء رأفت الذى أقدم على الخيانة دائساً على كرامة الوطن ودماء الشهداء فكان مصيره القتل – وقد ربطت المسرحية فعلته تلك بتكوينه النفسى الأرستقراطى فهو يحب الرخاء والرفاهية والأندية والبحر..

إن هذا الحشر الذى قام به الكاتب كان يتوخى منه مجموعة من الحقائق على المستوى الداخلى، فإذا كان البعض يرجع الهزيمة إلى عدم التكافؤ فى ميزان القوى أو خرجت من الداخل – بتفاعل مع العوامل الخارجية طبعاً – من المؤسسة المدنية المنخورة ومن المؤسسة العسكرية الفاسدة، فهؤلاء الجنود المعتقلون يمثلون حقيقة المجتمع المصرى المشحون بالتناقضات الاجتماعية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية (الطبقية – الفساد الإدارى والاجتماعى – المحسوبية – الخيانة – النفاق – الاستسلام…)، ويمثلون كذلك المؤسسة العسكرية المشلولة نتيجة البيروقراطية وغياب المسؤولية والانضباط وإهمال التدريب العسكرى والانشغال بالأندية وكرة القدم.

مشكور أ على كتاب هذى و الله افكار مخرج عبقرى فى اختيار المواضيع