عن نصوص سعد الله ونوس ... وإليه .
إقتباس : ذوالفقار خضر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضاء المسرح :
فضاء هيولي أسود ... تسوده الرطوبة ...
يتوسط المسرح واجهة من قضبان سجنٍ ما .... عرضه الاربعة امتار تقريباً ... وارتفاعه متران ونصف تقريباً .....
خلف واجهة السجن سرير نوم مبعثر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شخوص المسرحية :
ـ سعد
ـ ورم
ـ الانثى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سعد نائم على سريره الذي خلف القضبان ... موسيقى هادئة ... تتداخل معها اصوات لآلة التنفس الاصطناعي ...صوت رتيب لآلة سماع نبضات القلب ...
صوت قطرات ماء تدل على المادة المغذية المركبة في وريد سعد ...
تدخل الانثى وهنا بدور الممرضة ...
تدخل صامتة .... حزينة ... وتسير بخطوات جنائزية ...
تنظر الى سعد المستلقي على السرير ..
... نظرتها نظره حزن....
تتصفح ملفه الطبي .. وبشكل إيمائي ...
تضع سماعتي نبض القلب على أذنيها ... وبشكل إيمائي ..
تضع مكبرة الصوت الصغيرة على قلب لتسمع دقاته ...
لحظات ... نسمع صوت ضحك وغناء لمجموعة من النساء أثناء مرحهن ....
....لحظات ....
تسحب يد سعد اليمنى بحثاً عن وريدٍ ما ...
تشد على معصمه بيدها الرقيقة ... تضرب بإصبعها على مكان الوريد ...
... تهز رأسها حزينة ... تنزل اليد اليمنى ....
لحظات ....
تدعك رأسها مفكرةً ... حائرة ...
ترفع يده اليسرى بحثاً عن وريدٍ صالح لكي تغرز فيه ابرتها التي تحتوي على مادة (( السيروم ))
ينفجر سعد ضاحكاً ....*لكن الانثى ـ الممرضة ـ لا تراه ضاحكاً بل تراه ممدداً ... كحالته السابقة*
يجلس سعد على الفراش ....
الممرضة مستمرة في بحثها عن الوريد في جسد سعد النائم ....
تيأس الانثى ـ الممرضة ـ .... تحزن اكثر ...
تترك سعد خارجة بهدوء ...
سعد : (( ضاحكاً )) .... مسكينة ... لم تجد وريداً في جسمي .... كم أنا محرج منها ..
يستيقض ورم بشكل مفاجيء ... *اذ كان نائماً بالجوار من سعد وبشكل مخفي للمتلقي *
ورم : ماذا بك ؟ !
سعد : أوووه .. مالذي اصحاك من نومك ؟ ... نـَم .... نــَم في داخلي .. تحركاتك تؤلمني
ينهض سعد من فراشه .... يقف خلف القضبان ... يشعل سيكارته ..
ورم : أشكرك
سعد : وعلامَ تشكرني ؟!
ورم : بتدخينك تنهي مهمتي بسرعة ...
سعد : بتدخيني هذه السيجارة ... أهينك ..
ورم : كيف ؟؟
سعد : اولاً ... معبراً عن ازدرائي واستهزائي بمرضي ... وثانياً .. انا في النهاية لن اخسر إلا حياة لا تعاش ...
سعد ينفخ الدخان في وجه ورم ... تدخل الانثى ـ الممرضة ـ ...بينما سعد واقف خلف القضبان ...
ورم واقف امام القضبان ...
تذهب الانثى ـ الممرضة ـ متجهةً الى سرير سعد بخطوات جنائزية ..
تقف امام سريره ...
ترفع بإيماءة يد سعد النائم على الفراش ... بينما سعد يراقب ذلك وهو يزاول التدخين ...
الممرضة تتمكن من غرز ابرة لدواء المغذي بيده ...
سعد : (( متألماً ماسكاً مكان غرز الابرة )) آآآآخ ....
يذهب ورم الى الانثى ـ الممرضة ـ ..
يشاهد ورم ما تفعله الانثى ـ الممرضة ـ بسعد النائم على السرير ..
سعد الواقف خلف القضبان يتضجور ...
يرمي سيجارته ...
لحظات ... تذهب الانثى ـ الممرضة ـ بخطواتها الجنازية ..
بينما سعد متألماً ... يدعك مكان الابرة في يده ....
سعد : آآآآخ ... واخيراً غرزت ابره دوائها ... كم تؤلمني ... أأأه
يرجع ورم ليقف امام القضبان
ورم : لم يكن يعرف ايوب بانه ضحية رهان متبجح بين الله والشيطان.
سعد : وانا اعرف كوني ضحية حرب تافهة ... اوقدها قدري ..
ورم : ((باستهزاء )) لا تيأس ....
سعد : اعتبر اليأس ترف ... لم يعد متاحاً لي ... وصعب الوصول اليه ...
ورم يتفاجأ بكلام سعد ....
سعد ماسكاً قضبان السجن وبقوة ... دافعاً بها من احدى اطرافها ... تدور واجهة القضبان الحديدة حول مركزها ...
بينما الجهة المعاكسة تـُسحب الى الداخل ..... ساحبة معها ورم ...
تلتف القضبان حول محورها ...
يصبح ورم خالف القضبان ... وسعد امامها ...
سعد : منذ متى وانت معي ؟
ورم : اووووه منذ سنين ...
سعد : اذن لماذا تحركت الان ؟
ورم : لم يعد بوسعي الانتظار ....
تدخل الانثى وهنا بدورالزوجة
الانثى / الزوجة : لم يعد بوسعي الانتظار ....
* سعد و ورم غير مرئيان بالنسبة لها * تذهب الانثى / الزوجة الى سرير سعد ... تتلمس وجهه ...
ترفع يده ... تقبلها ...
سعد واقف أمام القضبان ... يشاهدها ... يحزن ...
يجثو على ركبتيه ...
سعد : (( جاثياً )) انا ايضاً لم يعد بوسعي الانتظار يا حبيبتي ..
الانثى / الزوجة : (( تكلم سعد النائم على السرير )) منظر انابيب الدواء المتصلة بجسمك تؤلمني ... متى تعود الى سابق عهدك ؟؟ متى ..؟
سعد : (( بهدوء )) لا اعرف ... ولكن اعرف باني احبك ... احبك فقط ..
الانثى / الزوجة تقبل رأس سعد النائم على السرير ..
سعد : أ يعقل بأن يكون الحب جريمة ... وان يطاردوننا كاللصوص ؟
الانثى / الزوجة : ان الحب فوضى تخنقهم .
سعد : كيف يخافون الحب وهو اجمل شيء في هذه الحياة ؟
ورم : (( ثائراً )) الارواح الفقيرة لا تبحث عن الجمال ... بل عن النظام ..
سعد : شــشــشـــش ... دعني اشكي همي لحبيبتي ..
الانثى / الزوجة : (( الى سعد النائم على السرير )) هل يعتبروننا مجرمين ؟؟
سعد : اننا خارجان عن النظام .
الانثى / الزوجة : وما هي العقوبة في هذه الحالة ؟؟؟
ورم يقف جانباً ... يوميء بيده بحبل المشنقه .. يلفه حول عنقه .. يشنق نفسه بشكل هزلي ...
تتشنج اطراف ورم بمبالغة .... * لكن دون ان تنتبه اليه الانثى / الزوجة ... فهو غير مرئي بالنسبة لها*
الانثى / الزوجة : هل تحتمل هذه العقوبة ؟
سعد : سأحتمل الجحيم ذاته اذا بقيتِ معي ...
الانثى / الزوجة : سابقى معك .. سابقى ...
اظلام بصورة تدريجية على مكان السرير والانثى / الزوجة ...
تذهب الانثى / الزوجة مودعةً اياه ....
سعد : (( الى ورم )) يوم بعد يوم تزداد خبثاً ...
ورم : تعلـّم أن لا تحب الشمس .... تعلـــّم ان لا تنظر لها ...
سعد : لا استطيع .... فالعاشق الحــُر لا يخشى الآلهة .
ورم : صحيح ان القوي هو الذي يضع القيم والمعايير .. ولكن لو تناسى الانسان قليلاً انه الكائن الاقوى على هذه المجرة... لو عاين ما فعله وما يفعله ... وقارنه مع سلوك اشد الحيوانات عدوانية ووحشية ... لوجد انه الاكثر وحشية وعدوانية بين كل وحوش الارض ودوابها وحشراتها ...
سعد : لو كنت قوياً بما فيه الكفاية كما تدعي انت لما عانيت منك ... لما عانيت من صوت الآلات المرتبطة بأحشائي ... تلك الالات التي يظنون انها تمدني بالحياة ...
صوت لاجهزة التنفس الاصطناعي ... صوت لجهاز بنض القلب ...
سعد : اسمع .... اسمع هذا الصوت .. كم هو مزعج ... مزعج لانه رتيب ... مزعج لانه لا يمت الجمال بصلة ... كرهت صوت الأوكسجين الذي يمدني بالحياة ... كرهته ..
يتداخل صوت طنين ذبابة .... يسود صوت طنينها فضاء المسرح ...
يصمت سعد ...
يتلفت ورم متابعاً وجهة الذبابة ... يتابعها ...
يحمل بيده قتــّالة ذباب بلاستيكية * بشكل ايمائي * ...
يضرب بها الهواء عدة مرات ملاحقاً الذبابة .... صوت فحيح القتــّالة البلاستيكية ...
تجره مراقبة الذبابة الى مؤخرة سعد ...
تقف الذبابة على مؤخرة سعد ..
يتوقف طنينها ...
يضرب ورم الذبابة لكنها تفلت منه ... سعد يتألم من الم قتالة الذباب البلاستيكية التي ضربت مؤخرته..... يدعك مؤخرته ...
يبدأ طنين الذبابة مرة اخرى ...
تقف الذبابة على احدى زوايا السجن ...
يباغتها ورم بقتــّالته البلاستيكية ... يتمكن منها ... يرديها قتيلة ..
سعد يشمئز من هذا المنظر ...
سعد : كم انت مثيراً للاشمئزاز ...
ورم : (( متعجباً )) أنـــا !!
سعد : نعم انت ... قبل قليل كنت تنعت الانسان لان قوته هي التي تضع النظم والمعايير ..
ورم: أشــشــش .. الفم المغلق لا يدخله الذباب .... وثم هذه ذبابة ..
سعد : (( مقلداً لهجة ورم )) انها ذبابة ... كفاك هراءً
يذهب سعد لينام على سريره ... لحظات ....
يستيقض منزعجاً ...
ورم : ما بك ؟؟
سعد : عندما انام على فراشي .. احس اني في مقبرة .. احس ان الرب جزار سيهاجمني ليلاً بالساطور ... احس ان الشمس قد مرضت ... وان العالم ليس فيه ما يكفي من الضوء ...
ورم : (( بعدم مبالاة )) حاول النظر الى الضوء .
سعد : حين حاولت النظر لم اجد الضوء ... حين حاولت الهرب .. لم اجد قدماي ... حين حاولت الصراخ لم اجد صوتي ..
ورم : (( باستهزاء )) كــُنْ فخوراً بذلك ...
سعد : فخوراً برثاء الذات ؟؟
ينهض من فراشه
ورم : ان ذويك فرحون لانك على هذه الحال (( يجلس على سرير سعد )) فرحون لان حالتك هذه جعلتهم فخورين بالاهتمام الذي ابدته الدولة والصحف بمرضك .
سعد : نعم ... والمشكلة كون ابي رأى في ذلك مصدراً للعز .. ومناسبة لعلو الشأن .
موسيقى ... تدخل الانثى وهنا بدور الام ..
يترك ورم فراش سعد ...
... لحظات ... تقف الانثى / الام قرب سرير سعد ..
تجلس بجواره
بينما سعد واقف خلفها .. * وهو غير مرئي بالنسبة لها *
الانثى / الام : بني ... تحققت نبوءة ابيك ... تحققت بعد نصف قرن من الزمن
سعد : ولكن كان الجدر بها ان تتحقق منذ ايامي الاولى .
الانثى / الام : ليس المقرر ان تتحقق نبوءة عابرة
سعد : (( يذهب وسط المسرح )) لكني مازلت اذكر نواسة ً تمط ظلالها .. ولا تبدد العتمة ... اذكر فِراشاً صغيراً ليس كهذا الفراش .. اذكر اعواداً من الآس ,, ورائحة الخشخاش ... اذكر طفلاً يبكي ولا ينام ..
الانثى / الام : وهل تذكر بان لم يكن احد قد تهيأ لولادته حياً ؟
سعد : نعم ... كان يسود الجميع اعتقاد شبه فاجع ..
الانثى / الام : اعتقدوا العروس الجديدة ستلد طفلاً ميتاً .. ولذا لم يعبأ احد بما في بطن تلك العروس نفسها (( تمسك بطنها ))
سعد : لم يعبؤا بتحضير ما يحتاجه الطفل من ثياب وخرقٍ وسرير هزاز .
الانثى / الام : وعندما وُلِدَ حياً ... لم يتخلَ احد عن اعتقاده بان كل شيء مؤقت ... والحقيقة الوحيدة المؤكدة هي الموت .
سعد : ولكن بعد مرور الساعات .. لم يظهر خلالها الموت .. ولم يرسل اشارة تــُنــْــبيء بقدومه الوشيك
الانثى / الام : بدأت الحيرة تنتاب الجميع .
سعد : حينها قررا الجدة ان توقِع موت الطفل وهو يضطرم بالحياة .. قد يكون فألاً سيئاً يرافقه طوال عمره .
الانثى / الام : ثم بواشِق ابيك وهو المولع بالصيد الى حد الهوس لا تصلح دائماً لحمل رسائل المشيئة الالهية ..
سعد : فقررت الجدة حينها ان تــُــبَدِدَ ما تعلق من فألٍ سيء .
الانثى / الام : فأسمت الطفل الذي يبكي .. سعداً
سعد : مازال ابي حياً .. واطباء باريس حفرو لي قبراً ... وجهزوا لي الكفن ... أكان مقرراً ان تتحقق نبوءة عابرة اكتست بثياب حلم صيفي .. بعد نصف قرن من الزمن ؟
الانثى / الام : (( ذاهبة )) كان ابيك يتخم سمعي بكلمات تقول : الله يعطي والله يأخذ ... احمدي الله و لا تعترضي حكمه .. ، حتى اصبحت مقتنعة بذلك ...
تخرج الأنثى / الام
سعد : كنت اعلم اني احمل موتي في داخلي .. واني عشت هذه التجربة المثيرة التي يختلط بها الاحياء مع الاموات.
ورم : هل ادركت الامر الان ؟
سعد : ادركته جيداً ... انا اسير على خطى الاجداد ... اسير على خطاهم الان ..
ورم : (( مستهزءاً )) رحلتهم شاقة منذ خطواتهم الاولى ..
سعد : حاولت وضع تقويم لهذه الرحلة يسبق المئة الاولى قبل الميلاد ... ففي سنة 27 ق . م ، غاص احد اجدادي في حمأة طين عميقة .... ولك يكن بوسع احد ان ينقذه ...
أما في سنة 30 ميلادية توقف جدي الاكبر عن تناول الطعام ... وكان يجبر نفسه على التبرز مرات عديدة في اليوم ... وحين صار نظيفاً وخالياً من كل خبث . تمدد على الارض ... ومــــــــــات ..
ورم : وبعد ..! ؟
سعد : وفي اليوم التالي لوفاته .. انتحى جدي الاصغر بزوجته .. وسندها على جدار السرداب .. واخذ يهز وسطه .. ومثل هذه الانتحاءات كانت تتكرر دائماً .. ولم نكن نوليها اهتمام كان علينا ان نسير فقط ... وكان كل جد توافيه المنية يوصينا بان نتابع السير ... السير فقط ... وكان يسرف في وصف ألق الشمس التي تنتظرنا .
ورم : (( باستغراب )) وبعد ؟!
سعد : حدث في عائلتنا فتنة وكان ذلك في عام 620 فقد اختلف من تبقى من الاجداد حول التمائم ... وبالتالي حول الاتجاه .... وانقسمنا ... ومازلنا ننقسم عند كل مفترق من مفترقات السراديب ..
ورم : وهل حاولوا السير حينها .
سعد : نعم ... ابي تدارك الموقف سنة 1940 فرفع ثوب امي وانبطح فوقها ... وبعد اقل من عام ولدتني امي حاملاً ذاكرة مزدحمة بالصور والتفاصيل ... وسرت وراءهم حريصاً على مكاني دائماً في المؤخرة ..
ورم : وتابعتم ؟
سعد : وتابعنا .... وفي ظروف غامضة مات ابي ...
ورم : (( بشيء من الارتياح )) وانتهى مسيركم ؟؟
سعد : لا ... في عام 2007 دب خلاف بيني وبين اخي الاكبر فتخليت عن العائلة واتجهت الى سرداب مخالف مكوناً سرباً جديداً من عائلة .. مهمتهم السير .. والمحافظة على خطى الاجداد .
ورم : هل تبعوك ؟
سعد : كنت حائراً بما سيجعلهم يتبعوني في سيري ... اذا لم اعدهم بالشمس والبراري .. ولكن زرعت في صدور اولادي يقيناً بان الشمس تنتظرنا في نهاية السرداب ..
ورم : وتابعتم ؟
سعد : وتابعــــــــــــنا السير ... صارت السراديب اسمنتية .. وفي زواياها تتدلى مصابيح تخفف العتمة .. لكن السراديب بقت سراديب ... وما زلنا نسير بحثاً عن الشمس .. لم يتأكد احد قط من وجودها ...
في عام 2114 ما زلنا نسير .... في عام 2370 مازلنا نسير ..... في عام 2617مازلنا نسير .....
في عام 2690مازلنا نسير ..... في عام 2699خانتني قدماي .....
ورم : (( يقاطعه باندهاش )) وبعد ؟ !
سعد : ما زلنا نسير ..... وسيواصل ابنائي السير وكتابة التاريخ ...
ورم واقفاً مستغرباً .... مصدوماً ... بينما يذهب سعد اليه ...
سعد : ارجو ان لا تجبرني مرة اخرى على قراءة تقويمي ثانياً .
ورم : بصراحة .... لا اعرف ما اقوله لك ... ولكن ...أ أ
سعد : (( يقاطعه وهو ذاهباَ الى فراشه )) لكن ماذا ؟؟؟ ها ؟ هل تريد مرافقتي بحثاً عن الشمس؟
ورم : انت تعلم جيداً بان من يرافقني يذهب الى الظلام ..
سعد : لا يهم ... من الظلام جئت ...والى الظلام اعود . ... والمشكلة انا وانت واحد .... والمشكلة الاهم بأني مللتك جداً ... مللتك ... لِمَ اخترتني ؟؟
ورم : لم اخترك انا (( مشيراً باصبع يده الى الاعلى )) هو الذي اختار ..
سعد : (( جالساً على الفراش )) اننا نكشف ان مايتصف به عالمنا من تفاوت وغبن وظلم .. يدل على غياب الله اكثر مما يدل على وجوده .. وهذا والفساد الذي يطبع العالم ... لا تنفعه محاجة الله ... بل ينبغي ان نحاج انفسنا والعالم .... أو ان ندرب في داخلنا روحاً ساخرة ً ولاذعة نواجه بها الغبن والفساد .
ورم : اتحقدُ عليَّ؟
سعد : عرفت انك القرين القديم ... لا ينفع حقدي بعد الان .
ورم : انت تعلم لم يكن بوسعي ان اخفي شيئاً
سعد : وما هَم ... ألم يحن الوقت كي استرخي واقول الآن مت وشبعت موتاً ؟
ورم : ما زال عليَّ ان اعرف نهاية مهمتي ..
سعد : اذن اسرع .. فهناك كثيرون ينتظرون دورهم بعدي
سعد ينام على السرير .... يغفو .....
موسيقى هادئة ...
ورم يشير بأحدى يديه الى جهةٍ ما ... تدخل منها الانثى .
الانثى هنا بدور فتاة جميلة
مرتدية السواد ... قادمة من عالم الاموات .
تقف الانثى / الفتاة وسط المسرح ... بينما ورم يتجه الى السرير الذي ينام عليه سعد ...
ورم : استيقظ ...استيقظ ... حان الدرس الاول في التدريب على الموت ... استيقظ .
سعد : لست بحاجة الى دروسك ... فأنا حملت موتي بداخلي منذ رفقتك لي ...
ورم : استيقض ... استيقض .
الانثى / الفتاة تذهب الى سرير سعد ... تجلس على فراشه ...
سعد ينتبه ... يصحو مبهوراً ...
متفاجئاً ... كأنما يعرفها منذ زمن بعيد ...
سعد : أنت ...؟ انت ....؟ لِمَ لَمْ تزوريني منذ ايامي الاولى ... اشتقت اليك ِ ....
الانثى / الفتاة تنهض عن سريره ....
تذهب الى وسط المسرح .... يتبعها سعد مشدوداً
الانثى / الفتاة : لم اكن اعلم بأنك تحبني الى هذا الحد إلا بعد موتي .
الانثى / الفتاة تخلع معطفها الاسود وبشكل ايمائي ... تعطيه الى سعد
الانثى / الفتاة : خذ ... اريد ان ارتاح بعد رحلة قدومي اليك.
سعد يمسك المعطف ... الانثى / الفتاة واقفة وسط المسرح ...
تفتح صنبور ماء الدوش ....
صوت خرير لماء الدوش النازل ...
تضع نفسها تحت ماء الدوش .... تسترخي....
سعد مراقباً ذلك وبنشوة هادئة وبريئة ..
الانثى / الفتاة تنتبه لذلك ... توميء الى سعد بان لا ينظر لها ...
تخجل الانثى / الفتاة ...
سعد يحول نظره الى الجهة المعاكسة لها ... لكنه يختلس النظر بين الحين والاخر ليراها اثناء الاستحمام ..
تنتهي الانثى / الفتاة من الاستحمام..
تغلق صنبور الماء ... ينقطع صوت الماء النازل ...
سعد ينتبه الى ذلك ...
تشير الانثى / الفتاة الى مكان ما بالقرب من سعد ...
سعد يبتسم مرتبكاً ...
يأخذ منشفة معلقة على الحائط الوهمي الذي بقربه ...
يعطيها المنشفة مستغلاً بذلك النظر الى جسمها ... تسرع هي باخذ المنشفة منه مبتسمة بدلع ...
تغطي بها جسمها المبتل ... تخرج من الحمام ...
تقترب من سعد ... تشير اليه لكي تأخذ معطفها منه ...
يعطيها المعطف مرتبكاً .... ترتديه ...
سعد يمنع نفسه من النظر اليها ... يبتعد عنها عدة خطوات ... لحظات ...
تنتبه هي لذلك ...
الانثى / الفتاة : لماذا لا تنظر في وجهي الان ؟
سعد : اخشى ان اجد عتاباً في وجهك ...
الانثى / الفتاة : ألا تعلم اني اصبحت وراء العتاب والحزن والغضب ؟
ينتبه سعد لذلك ... تبدأ عليه علامات الارتياح ... يختلس النظر الى وجهها ...
سعد : يا ألله ..! هذا هو وجهك الذي اعرفه ..
الانثى / الفتاة : (( ببرود )) لم تعرف وجهي أبداً ... وماتراه الان ليس الا قناعاً استعرته من اجل هذه اللعبة.
سعد : احس في صوتك نبرة لوم .
الانثى / الفتاة : ليس لصوتي نبرة .... والذين يموتون لا يبالون ... ولا يلومون ... لو اني جئتك أبكر لما سألتني الان هذه الاسئلة .
سعد : أكنت ترغبي ان تأتين ابكر ؟؟
الانثى / الفتاة : الايرغب الميت شيئاً ... ولكن اذكر انك كنت ترثي نفسك كثيراً ... وتهيء اهلك وأصدقاءك لموت وشيك .
سعد : ان هاجس الموت لم يفارقني .. وان الآلام التي كنت احسها لم تكن كاذبة ..
الانثى / الفتاة : وفيمَ يهمك ذلك ؟ انك كنت بغو في الموت ... كما كنت بغواً في الحب.
سعد : أترين ..؟ رغم كل شيء فانك تتذكرين .
الانثى / الفتاة : كما تحفظ اشرطة التسجيل بالاصوات المسجلة عليها ... فان الذكريات تصاحب الميت وترافقه كأصوات أو هزّات في الاثير .
سعد : وهل يستعيدها ... وينفعل بها ؟
الانثى / الفتاة : أتوا بي كي اكون معلمتك .... الموتى لا يستعيدون شيئاً .... ولا ينفعلون .
سعد : (( محاولاً تهييج مشاعرها )) أتذكرين ... اتذكرين عندما كنا نهرب من الذين لا يريدون قربنا.
... موسيقى ...
الانثى / الفتاة تقترب من سعد ... تضع رأسها على صدره ...
ينزل قمر في عمق المسرح * القمر عبارة عن قرص دائري من القماش الابيض وقطرة 4م تقريباً*
.... ينزل القمر ...
يستقر القمر على ارض المسرح خلف سرير سعد ..
الانثى / الفتاة : نعم اذكر .. ودائماً كنا نهرب
فجأة ... صوت حاد و مزعج لصفارة انذار ...
يسود الضجيج المكان ...
سعد والانثى / الفتاة يرتبكان ... يجولان المسرح ركضاً بحثاً عن مكان ما ليختبؤا به ...
الانثى / الفتاة : لقد عادوا مرة اخرى ...
سعد : لقد عادوا مرة اخرى ...
الانثى / الفتاة : اين نذهب الان ؟
يقفان احدهما ماسكاً بيد الآخر ... يبدأ صوت صفارة الانذار بالتهافت ... تخطر لسعد فكرة ما ...
سعد : لنختبيء خلف القمر ..
سعد يأخذها ... يهرولان سعياً للاختباء خلف القمر ...
تتسلط بقعة من الضوء خلف القمر ليظهر خيال ظلهما ..
.... جالسان احدهما قرب الاخر ..
ينقطع صوت صفارة الانذار .
الانثى / الفتاة : يا الهي ... اخشى ان اخاف من هذا المكان ...
سعد : المحبون لا تخيفهم الامكنة مهما بلغت غرابتها ..
.... لحظات من التأمل الصامت ....
سعد : يا ألله انك تتلألئين ...
... موسيقى هادئة ...
خيال ظل سعد يبين انه يشم رقبة الانثى / الفتاة .
سعد : هذه الرائحة ... أكاد اذكرها ... أين ...؟ أين ...؟ أكاد اذكرها .
الانثى / الفتاة : من يدري ...؟ مع ولوج الموت اعمق ... فاعمق قد تجد قمراً يستدير ليغمرك بنوره .
سعد : اتظنين ؟؟
الانثى / الفتاة : قلت من يدري ..
سعد : اسمعي .... ان بيننا حكاية ... ينبغي ان ارويها ... وان نرويها .
الانثى / الفتاة : وما أهمية روايتها ...؟
سعد : اشعر ان موتي لن يكتمل الا اذا رويت حكايتنا ... وهذه هي اهمية الامر .
الانثى / الفتاة : وما هي الحكاية ...؟
موسيقى ....
يُظهـــِر لنا خيال ظلهما بأنهما بدءآ التقبيل لبعضهم البعض ...
خيال الانثى / الفتاة تمتنع بدلع .
صورة لحركة رمزية لخيال ظلهما ترمز لحالة الجماع فيما بينهم ...
... لحظات ....
يدخل ورم حاملاً بيده مكبرة صوت .. صارخاً بها..
ورم : لم يكن هذا مذكوراً في مناهج تعليم الموت ..
تبتعد الانثى / الفتاة عن سعد ...يخرج كل منهما عن محيط القمر ...
يخرجان ....
يتقدمان الى وسط المسرح ...
سعد يتفاجأ ناظراً الى القمر .. غير مبالياً بورم...
بينما ورم مراقباً ذلك بحقد .
سعد : آآه ... يآل المسكين لقد حُبـِس القمر معنا ...
الانثى / الفتاة : (( تتدارك الموضوع )) يآل المسكين .. انه خلف القضبان ..
ورم : (( الى الانثى / الفتاة صارخاً بمكبرة الصوت )) لم يكن هذا ضمن الاتفاق ..
من الممكن في عالمنا ان الاموات يسحبون الاحياء الى عالمهم .. وليس من المعقول ان يسحب الاحياء الاموات الى عالمهم ... لا لا ... لم يكن هذا ضمن الاتفاق .
الانثى / الفتاة : ماذا لم يكن ضمن الاتفاق ؟
ورم : ان تساعديه برواية حكايته ...
موسيقى ...
الانثى / الفتاة تتفاتجأ ...
تنتبه بأنها قد تجاوزت حدود تابو مقدس ...
... تتوتر ...
تنظر الى سعد منزعجة ...
الانثى / الفتاة : ولكنه قال ... بان موتي لا يكتمل الى اذا رويت حكايتنا ..
سعد : (( متفاجئاً )) هل انتِ معي ام مع الورم ؟!!
الانثى / الفتاة : مع السلام ..
سعد : السلام ...؟ تقولين السلام ؟؟
السلام كلمة جميلة الايقاع .. ولكن حمامته تطير كسيرة الجناح
ورم : لا داعي لهذه الفخامة ...
سعد : الا تعلم بأن الموت بحد ذاته فخامة ؟؟
الانثى / الفتاة تجثو على ركبتيها ... تنهار ...
سعد ينتبه الى ذلك .. يركض اليها لمساعدتها ..
الانثى / الفتاة : ابتعد عني ...
سعد : (( يتفاجأ ... صمت )) ساعديني ... ساعديني لكي اعرف تصنيفي هل انا من الاموات ام من الاحياء ؟
الانثى / الفتاة : (( بحالة هستيرية )) ابتعــد ...
سعد : (( بحزم )) تزعمين ان الموت جعلك نقية كاللؤلؤة ... فكيف ترفضين مساعدة رجل يتوقف عليك اكتمال مصيره ؟
الانثى / الفتاة : لا استطيع ... لا استطيع .. ما زالت تنبعث منك رائحة الدنيا ووخمها ..
سعد : كيف اتخلص من الوخم ان ادرت ظهرك لي ؟
الانثى / الفتاة : لا فائدة من ذلك ... لا فائدة ...
تنهض الانثى / الفتاة .... تتقدم الى وسط المسرح ..
الانثى / الفتاة : حتى لو مُت ... ستبقى بك رائحة الحياة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ****انتهت****
إقتباس : ذوالفقار خضر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضاء المسرح :
فضاء هيولي أسود ... تسوده الرطوبة ...
يتوسط المسرح واجهة من قضبان سجنٍ ما .... عرضه الاربعة امتار تقريباً ... وارتفاعه متران ونصف تقريباً .....
خلف واجهة السجن سرير نوم مبعثر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شخوص المسرحية :
ـ سعد
ـ ورم
ـ الانثى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سعد نائم على سريره الذي خلف القضبان ... موسيقى هادئة ... تتداخل معها اصوات لآلة التنفس الاصطناعي ...صوت رتيب لآلة سماع نبضات القلب ...
صوت قطرات ماء تدل على المادة المغذية المركبة في وريد سعد ...
تدخل الانثى وهنا بدور الممرضة ...
تدخل صامتة .... حزينة ... وتسير بخطوات جنائزية ...
تنظر الى سعد المستلقي على السرير ..
... نظرتها نظره حزن....
تتصفح ملفه الطبي .. وبشكل إيمائي ...
تضع سماعتي نبض القلب على أذنيها ... وبشكل إيمائي ..
تضع مكبرة الصوت الصغيرة على قلب لتسمع دقاته ...
لحظات ... نسمع صوت ضحك وغناء لمجموعة من النساء أثناء مرحهن ....
....لحظات ....
تسحب يد سعد اليمنى بحثاً عن وريدٍ ما ...
تشد على معصمه بيدها الرقيقة ... تضرب بإصبعها على مكان الوريد ...
... تهز رأسها حزينة ... تنزل اليد اليمنى ....
لحظات ....
تدعك رأسها مفكرةً ... حائرة ...
ترفع يده اليسرى بحثاً عن وريدٍ صالح لكي تغرز فيه ابرتها التي تحتوي على مادة (( السيروم ))
ينفجر سعد ضاحكاً ....*لكن الانثى ـ الممرضة ـ لا تراه ضاحكاً بل تراه ممدداً ... كحالته السابقة*
يجلس سعد على الفراش ....
الممرضة مستمرة في بحثها عن الوريد في جسد سعد النائم ....
تيأس الانثى ـ الممرضة ـ .... تحزن اكثر ...
تترك سعد خارجة بهدوء ...
سعد : (( ضاحكاً )) .... مسكينة ... لم تجد وريداً في جسمي .... كم أنا محرج منها ..
يستيقض ورم بشكل مفاجيء ... *اذ كان نائماً بالجوار من سعد وبشكل مخفي للمتلقي *
ورم : ماذا بك ؟ !
سعد : أوووه .. مالذي اصحاك من نومك ؟ ... نـَم .... نــَم في داخلي .. تحركاتك تؤلمني
ينهض سعد من فراشه .... يقف خلف القضبان ... يشعل سيكارته ..
ورم : أشكرك
سعد : وعلامَ تشكرني ؟!
ورم : بتدخينك تنهي مهمتي بسرعة ...
سعد : بتدخيني هذه السيجارة ... أهينك ..
ورم : كيف ؟؟
سعد : اولاً ... معبراً عن ازدرائي واستهزائي بمرضي ... وثانياً .. انا في النهاية لن اخسر إلا حياة لا تعاش ...
سعد ينفخ الدخان في وجه ورم ... تدخل الانثى ـ الممرضة ـ ...بينما سعد واقف خلف القضبان ...
ورم واقف امام القضبان ...
تذهب الانثى ـ الممرضة ـ متجهةً الى سرير سعد بخطوات جنائزية ..
تقف امام سريره ...
ترفع بإيماءة يد سعد النائم على الفراش ... بينما سعد يراقب ذلك وهو يزاول التدخين ...
الممرضة تتمكن من غرز ابرة لدواء المغذي بيده ...
سعد : (( متألماً ماسكاً مكان غرز الابرة )) آآآآخ ....
يذهب ورم الى الانثى ـ الممرضة ـ ..
يشاهد ورم ما تفعله الانثى ـ الممرضة ـ بسعد النائم على السرير ..
سعد الواقف خلف القضبان يتضجور ...
يرمي سيجارته ...
لحظات ... تذهب الانثى ـ الممرضة ـ بخطواتها الجنازية ..
بينما سعد متألماً ... يدعك مكان الابرة في يده ....
سعد : آآآآخ ... واخيراً غرزت ابره دوائها ... كم تؤلمني ... أأأه
يرجع ورم ليقف امام القضبان
ورم : لم يكن يعرف ايوب بانه ضحية رهان متبجح بين الله والشيطان.
سعد : وانا اعرف كوني ضحية حرب تافهة ... اوقدها قدري ..
ورم : ((باستهزاء )) لا تيأس ....
سعد : اعتبر اليأس ترف ... لم يعد متاحاً لي ... وصعب الوصول اليه ...
ورم يتفاجأ بكلام سعد ....
سعد ماسكاً قضبان السجن وبقوة ... دافعاً بها من احدى اطرافها ... تدور واجهة القضبان الحديدة حول مركزها ...
بينما الجهة المعاكسة تـُسحب الى الداخل ..... ساحبة معها ورم ...
تلتف القضبان حول محورها ...
يصبح ورم خالف القضبان ... وسعد امامها ...
سعد : منذ متى وانت معي ؟
ورم : اووووه منذ سنين ...
سعد : اذن لماذا تحركت الان ؟
ورم : لم يعد بوسعي الانتظار ....
تدخل الانثى وهنا بدورالزوجة
الانثى / الزوجة : لم يعد بوسعي الانتظار ....
* سعد و ورم غير مرئيان بالنسبة لها * تذهب الانثى / الزوجة الى سرير سعد ... تتلمس وجهه ...
ترفع يده ... تقبلها ...
سعد واقف أمام القضبان ... يشاهدها ... يحزن ...
يجثو على ركبتيه ...
سعد : (( جاثياً )) انا ايضاً لم يعد بوسعي الانتظار يا حبيبتي ..
الانثى / الزوجة : (( تكلم سعد النائم على السرير )) منظر انابيب الدواء المتصلة بجسمك تؤلمني ... متى تعود الى سابق عهدك ؟؟ متى ..؟
سعد : (( بهدوء )) لا اعرف ... ولكن اعرف باني احبك ... احبك فقط ..
الانثى / الزوجة تقبل رأس سعد النائم على السرير ..
سعد : أ يعقل بأن يكون الحب جريمة ... وان يطاردوننا كاللصوص ؟
الانثى / الزوجة : ان الحب فوضى تخنقهم .
سعد : كيف يخافون الحب وهو اجمل شيء في هذه الحياة ؟
ورم : (( ثائراً )) الارواح الفقيرة لا تبحث عن الجمال ... بل عن النظام ..
سعد : شــشــشـــش ... دعني اشكي همي لحبيبتي ..
الانثى / الزوجة : (( الى سعد النائم على السرير )) هل يعتبروننا مجرمين ؟؟
سعد : اننا خارجان عن النظام .
الانثى / الزوجة : وما هي العقوبة في هذه الحالة ؟؟؟
ورم يقف جانباً ... يوميء بيده بحبل المشنقه .. يلفه حول عنقه .. يشنق نفسه بشكل هزلي ...
تتشنج اطراف ورم بمبالغة .... * لكن دون ان تنتبه اليه الانثى / الزوجة ... فهو غير مرئي بالنسبة لها*
الانثى / الزوجة : هل تحتمل هذه العقوبة ؟
سعد : سأحتمل الجحيم ذاته اذا بقيتِ معي ...
الانثى / الزوجة : سابقى معك .. سابقى ...
اظلام بصورة تدريجية على مكان السرير والانثى / الزوجة ...
تذهب الانثى / الزوجة مودعةً اياه ....
سعد : (( الى ورم )) يوم بعد يوم تزداد خبثاً ...
ورم : تعلـّم أن لا تحب الشمس .... تعلـــّم ان لا تنظر لها ...
سعد : لا استطيع .... فالعاشق الحــُر لا يخشى الآلهة .
ورم : صحيح ان القوي هو الذي يضع القيم والمعايير .. ولكن لو تناسى الانسان قليلاً انه الكائن الاقوى على هذه المجرة... لو عاين ما فعله وما يفعله ... وقارنه مع سلوك اشد الحيوانات عدوانية ووحشية ... لوجد انه الاكثر وحشية وعدوانية بين كل وحوش الارض ودوابها وحشراتها ...
سعد : لو كنت قوياً بما فيه الكفاية كما تدعي انت لما عانيت منك ... لما عانيت من صوت الآلات المرتبطة بأحشائي ... تلك الالات التي يظنون انها تمدني بالحياة ...
صوت لاجهزة التنفس الاصطناعي ... صوت لجهاز بنض القلب ...
سعد : اسمع .... اسمع هذا الصوت .. كم هو مزعج ... مزعج لانه رتيب ... مزعج لانه لا يمت الجمال بصلة ... كرهت صوت الأوكسجين الذي يمدني بالحياة ... كرهته ..
يتداخل صوت طنين ذبابة .... يسود صوت طنينها فضاء المسرح ...
يصمت سعد ...
يتلفت ورم متابعاً وجهة الذبابة ... يتابعها ...
يحمل بيده قتــّالة ذباب بلاستيكية * بشكل ايمائي * ...
يضرب بها الهواء عدة مرات ملاحقاً الذبابة .... صوت فحيح القتــّالة البلاستيكية ...
تجره مراقبة الذبابة الى مؤخرة سعد ...
تقف الذبابة على مؤخرة سعد ..
يتوقف طنينها ...
يضرب ورم الذبابة لكنها تفلت منه ... سعد يتألم من الم قتالة الذباب البلاستيكية التي ضربت مؤخرته..... يدعك مؤخرته ...
يبدأ طنين الذبابة مرة اخرى ...
تقف الذبابة على احدى زوايا السجن ...
يباغتها ورم بقتــّالته البلاستيكية ... يتمكن منها ... يرديها قتيلة ..
سعد يشمئز من هذا المنظر ...
سعد : كم انت مثيراً للاشمئزاز ...
ورم : (( متعجباً )) أنـــا !!
سعد : نعم انت ... قبل قليل كنت تنعت الانسان لان قوته هي التي تضع النظم والمعايير ..
ورم: أشــشــش .. الفم المغلق لا يدخله الذباب .... وثم هذه ذبابة ..
سعد : (( مقلداً لهجة ورم )) انها ذبابة ... كفاك هراءً
يذهب سعد لينام على سريره ... لحظات ....
يستيقض منزعجاً ...
ورم : ما بك ؟؟
سعد : عندما انام على فراشي .. احس اني في مقبرة .. احس ان الرب جزار سيهاجمني ليلاً بالساطور ... احس ان الشمس قد مرضت ... وان العالم ليس فيه ما يكفي من الضوء ...
ورم : (( بعدم مبالاة )) حاول النظر الى الضوء .
سعد : حين حاولت النظر لم اجد الضوء ... حين حاولت الهرب .. لم اجد قدماي ... حين حاولت الصراخ لم اجد صوتي ..
ورم : (( باستهزاء )) كــُنْ فخوراً بذلك ...
سعد : فخوراً برثاء الذات ؟؟
ينهض من فراشه
ورم : ان ذويك فرحون لانك على هذه الحال (( يجلس على سرير سعد )) فرحون لان حالتك هذه جعلتهم فخورين بالاهتمام الذي ابدته الدولة والصحف بمرضك .
سعد : نعم ... والمشكلة كون ابي رأى في ذلك مصدراً للعز .. ومناسبة لعلو الشأن .
موسيقى ... تدخل الانثى وهنا بدور الام ..
يترك ورم فراش سعد ...
... لحظات ... تقف الانثى / الام قرب سرير سعد ..
تجلس بجواره
بينما سعد واقف خلفها .. * وهو غير مرئي بالنسبة لها *
الانثى / الام : بني ... تحققت نبوءة ابيك ... تحققت بعد نصف قرن من الزمن
سعد : ولكن كان الجدر بها ان تتحقق منذ ايامي الاولى .
الانثى / الام : ليس المقرر ان تتحقق نبوءة عابرة
سعد : (( يذهب وسط المسرح )) لكني مازلت اذكر نواسة ً تمط ظلالها .. ولا تبدد العتمة ... اذكر فِراشاً صغيراً ليس كهذا الفراش .. اذكر اعواداً من الآس ,, ورائحة الخشخاش ... اذكر طفلاً يبكي ولا ينام ..
الانثى / الام : وهل تذكر بان لم يكن احد قد تهيأ لولادته حياً ؟
سعد : نعم ... كان يسود الجميع اعتقاد شبه فاجع ..
الانثى / الام : اعتقدوا العروس الجديدة ستلد طفلاً ميتاً .. ولذا لم يعبأ احد بما في بطن تلك العروس نفسها (( تمسك بطنها ))
سعد : لم يعبؤا بتحضير ما يحتاجه الطفل من ثياب وخرقٍ وسرير هزاز .
الانثى / الام : وعندما وُلِدَ حياً ... لم يتخلَ احد عن اعتقاده بان كل شيء مؤقت ... والحقيقة الوحيدة المؤكدة هي الموت .
سعد : ولكن بعد مرور الساعات .. لم يظهر خلالها الموت .. ولم يرسل اشارة تــُنــْــبيء بقدومه الوشيك
الانثى / الام : بدأت الحيرة تنتاب الجميع .
سعد : حينها قررا الجدة ان توقِع موت الطفل وهو يضطرم بالحياة .. قد يكون فألاً سيئاً يرافقه طوال عمره .
الانثى / الام : ثم بواشِق ابيك وهو المولع بالصيد الى حد الهوس لا تصلح دائماً لحمل رسائل المشيئة الالهية ..
سعد : فقررت الجدة حينها ان تــُــبَدِدَ ما تعلق من فألٍ سيء .
الانثى / الام : فأسمت الطفل الذي يبكي .. سعداً
سعد : مازال ابي حياً .. واطباء باريس حفرو لي قبراً ... وجهزوا لي الكفن ... أكان مقرراً ان تتحقق نبوءة عابرة اكتست بثياب حلم صيفي .. بعد نصف قرن من الزمن ؟
الانثى / الام : (( ذاهبة )) كان ابيك يتخم سمعي بكلمات تقول : الله يعطي والله يأخذ ... احمدي الله و لا تعترضي حكمه .. ، حتى اصبحت مقتنعة بذلك ...
تخرج الأنثى / الام
سعد : كنت اعلم اني احمل موتي في داخلي .. واني عشت هذه التجربة المثيرة التي يختلط بها الاحياء مع الاموات.
ورم : هل ادركت الامر الان ؟
سعد : ادركته جيداً ... انا اسير على خطى الاجداد ... اسير على خطاهم الان ..
ورم : (( مستهزءاً )) رحلتهم شاقة منذ خطواتهم الاولى ..
سعد : حاولت وضع تقويم لهذه الرحلة يسبق المئة الاولى قبل الميلاد ... ففي سنة 27 ق . م ، غاص احد اجدادي في حمأة طين عميقة .... ولك يكن بوسع احد ان ينقذه ...
أما في سنة 30 ميلادية توقف جدي الاكبر عن تناول الطعام ... وكان يجبر نفسه على التبرز مرات عديدة في اليوم ... وحين صار نظيفاً وخالياً من كل خبث . تمدد على الارض ... ومــــــــــات ..
ورم : وبعد ..! ؟
سعد : وفي اليوم التالي لوفاته .. انتحى جدي الاصغر بزوجته .. وسندها على جدار السرداب .. واخذ يهز وسطه .. ومثل هذه الانتحاءات كانت تتكرر دائماً .. ولم نكن نوليها اهتمام كان علينا ان نسير فقط ... وكان كل جد توافيه المنية يوصينا بان نتابع السير ... السير فقط ... وكان يسرف في وصف ألق الشمس التي تنتظرنا .
ورم : (( باستغراب )) وبعد ؟!
سعد : حدث في عائلتنا فتنة وكان ذلك في عام 620 فقد اختلف من تبقى من الاجداد حول التمائم ... وبالتالي حول الاتجاه .... وانقسمنا ... ومازلنا ننقسم عند كل مفترق من مفترقات السراديب ..
ورم : وهل حاولوا السير حينها .
سعد : نعم ... ابي تدارك الموقف سنة 1940 فرفع ثوب امي وانبطح فوقها ... وبعد اقل من عام ولدتني امي حاملاً ذاكرة مزدحمة بالصور والتفاصيل ... وسرت وراءهم حريصاً على مكاني دائماً في المؤخرة ..
ورم : وتابعتم ؟
سعد : وتابعنا .... وفي ظروف غامضة مات ابي ...
ورم : (( بشيء من الارتياح )) وانتهى مسيركم ؟؟
سعد : لا ... في عام 2007 دب خلاف بيني وبين اخي الاكبر فتخليت عن العائلة واتجهت الى سرداب مخالف مكوناً سرباً جديداً من عائلة .. مهمتهم السير .. والمحافظة على خطى الاجداد .
ورم : هل تبعوك ؟
سعد : كنت حائراً بما سيجعلهم يتبعوني في سيري ... اذا لم اعدهم بالشمس والبراري .. ولكن زرعت في صدور اولادي يقيناً بان الشمس تنتظرنا في نهاية السرداب ..
ورم : وتابعتم ؟
سعد : وتابعــــــــــــنا السير ... صارت السراديب اسمنتية .. وفي زواياها تتدلى مصابيح تخفف العتمة .. لكن السراديب بقت سراديب ... وما زلنا نسير بحثاً عن الشمس .. لم يتأكد احد قط من وجودها ...
في عام 2114 ما زلنا نسير .... في عام 2370 مازلنا نسير ..... في عام 2617مازلنا نسير .....
في عام 2690مازلنا نسير ..... في عام 2699خانتني قدماي .....
ورم : (( يقاطعه باندهاش )) وبعد ؟ !
سعد : ما زلنا نسير ..... وسيواصل ابنائي السير وكتابة التاريخ ...
ورم واقفاً مستغرباً .... مصدوماً ... بينما يذهب سعد اليه ...
سعد : ارجو ان لا تجبرني مرة اخرى على قراءة تقويمي ثانياً .
ورم : بصراحة .... لا اعرف ما اقوله لك ... ولكن ...أ أ
سعد : (( يقاطعه وهو ذاهباَ الى فراشه )) لكن ماذا ؟؟؟ ها ؟ هل تريد مرافقتي بحثاً عن الشمس؟
ورم : انت تعلم جيداً بان من يرافقني يذهب الى الظلام ..
سعد : لا يهم ... من الظلام جئت ...والى الظلام اعود . ... والمشكلة انا وانت واحد .... والمشكلة الاهم بأني مللتك جداً ... مللتك ... لِمَ اخترتني ؟؟
ورم : لم اخترك انا (( مشيراً باصبع يده الى الاعلى )) هو الذي اختار ..
سعد : (( جالساً على الفراش )) اننا نكشف ان مايتصف به عالمنا من تفاوت وغبن وظلم .. يدل على غياب الله اكثر مما يدل على وجوده .. وهذا والفساد الذي يطبع العالم ... لا تنفعه محاجة الله ... بل ينبغي ان نحاج انفسنا والعالم .... أو ان ندرب في داخلنا روحاً ساخرة ً ولاذعة نواجه بها الغبن والفساد .
ورم : اتحقدُ عليَّ؟
سعد : عرفت انك القرين القديم ... لا ينفع حقدي بعد الان .
ورم : انت تعلم لم يكن بوسعي ان اخفي شيئاً
سعد : وما هَم ... ألم يحن الوقت كي استرخي واقول الآن مت وشبعت موتاً ؟
ورم : ما زال عليَّ ان اعرف نهاية مهمتي ..
سعد : اذن اسرع .. فهناك كثيرون ينتظرون دورهم بعدي
سعد ينام على السرير .... يغفو .....
موسيقى هادئة ...
ورم يشير بأحدى يديه الى جهةٍ ما ... تدخل منها الانثى .
الانثى هنا بدور فتاة جميلة
مرتدية السواد ... قادمة من عالم الاموات .
تقف الانثى / الفتاة وسط المسرح ... بينما ورم يتجه الى السرير الذي ينام عليه سعد ...
ورم : استيقظ ...استيقظ ... حان الدرس الاول في التدريب على الموت ... استيقظ .
سعد : لست بحاجة الى دروسك ... فأنا حملت موتي بداخلي منذ رفقتك لي ...
ورم : استيقض ... استيقض .
الانثى / الفتاة تذهب الى سرير سعد ... تجلس على فراشه ...
سعد ينتبه ... يصحو مبهوراً ...
متفاجئاً ... كأنما يعرفها منذ زمن بعيد ...
سعد : أنت ...؟ انت ....؟ لِمَ لَمْ تزوريني منذ ايامي الاولى ... اشتقت اليك ِ ....
الانثى / الفتاة تنهض عن سريره ....
تذهب الى وسط المسرح .... يتبعها سعد مشدوداً
الانثى / الفتاة : لم اكن اعلم بأنك تحبني الى هذا الحد إلا بعد موتي .
الانثى / الفتاة تخلع معطفها الاسود وبشكل ايمائي ... تعطيه الى سعد
الانثى / الفتاة : خذ ... اريد ان ارتاح بعد رحلة قدومي اليك.
سعد يمسك المعطف ... الانثى / الفتاة واقفة وسط المسرح ...
تفتح صنبور ماء الدوش ....
صوت خرير لماء الدوش النازل ...
تضع نفسها تحت ماء الدوش .... تسترخي....
سعد مراقباً ذلك وبنشوة هادئة وبريئة ..
الانثى / الفتاة تنتبه لذلك ... توميء الى سعد بان لا ينظر لها ...
تخجل الانثى / الفتاة ...
سعد يحول نظره الى الجهة المعاكسة لها ... لكنه يختلس النظر بين الحين والاخر ليراها اثناء الاستحمام ..
تنتهي الانثى / الفتاة من الاستحمام..
تغلق صنبور الماء ... ينقطع صوت الماء النازل ...
سعد ينتبه الى ذلك ...
تشير الانثى / الفتاة الى مكان ما بالقرب من سعد ...
سعد يبتسم مرتبكاً ...
يأخذ منشفة معلقة على الحائط الوهمي الذي بقربه ...
يعطيها المنشفة مستغلاً بذلك النظر الى جسمها ... تسرع هي باخذ المنشفة منه مبتسمة بدلع ...
تغطي بها جسمها المبتل ... تخرج من الحمام ...
تقترب من سعد ... تشير اليه لكي تأخذ معطفها منه ...
يعطيها المعطف مرتبكاً .... ترتديه ...
سعد يمنع نفسه من النظر اليها ... يبتعد عنها عدة خطوات ... لحظات ...
تنتبه هي لذلك ...
الانثى / الفتاة : لماذا لا تنظر في وجهي الان ؟
سعد : اخشى ان اجد عتاباً في وجهك ...
الانثى / الفتاة : ألا تعلم اني اصبحت وراء العتاب والحزن والغضب ؟
ينتبه سعد لذلك ... تبدأ عليه علامات الارتياح ... يختلس النظر الى وجهها ...
سعد : يا ألله ..! هذا هو وجهك الذي اعرفه ..
الانثى / الفتاة : (( ببرود )) لم تعرف وجهي أبداً ... وماتراه الان ليس الا قناعاً استعرته من اجل هذه اللعبة.
سعد : احس في صوتك نبرة لوم .
الانثى / الفتاة : ليس لصوتي نبرة .... والذين يموتون لا يبالون ... ولا يلومون ... لو اني جئتك أبكر لما سألتني الان هذه الاسئلة .
سعد : أكنت ترغبي ان تأتين ابكر ؟؟
الانثى / الفتاة : الايرغب الميت شيئاً ... ولكن اذكر انك كنت ترثي نفسك كثيراً ... وتهيء اهلك وأصدقاءك لموت وشيك .
سعد : ان هاجس الموت لم يفارقني .. وان الآلام التي كنت احسها لم تكن كاذبة ..
الانثى / الفتاة : وفيمَ يهمك ذلك ؟ انك كنت بغو في الموت ... كما كنت بغواً في الحب.
سعد : أترين ..؟ رغم كل شيء فانك تتذكرين .
الانثى / الفتاة : كما تحفظ اشرطة التسجيل بالاصوات المسجلة عليها ... فان الذكريات تصاحب الميت وترافقه كأصوات أو هزّات في الاثير .
سعد : وهل يستعيدها ... وينفعل بها ؟
الانثى / الفتاة : أتوا بي كي اكون معلمتك .... الموتى لا يستعيدون شيئاً .... ولا ينفعلون .
سعد : (( محاولاً تهييج مشاعرها )) أتذكرين ... اتذكرين عندما كنا نهرب من الذين لا يريدون قربنا.
... موسيقى ...
الانثى / الفتاة تقترب من سعد ... تضع رأسها على صدره ...
ينزل قمر في عمق المسرح * القمر عبارة عن قرص دائري من القماش الابيض وقطرة 4م تقريباً*
.... ينزل القمر ...
يستقر القمر على ارض المسرح خلف سرير سعد ..
الانثى / الفتاة : نعم اذكر .. ودائماً كنا نهرب
فجأة ... صوت حاد و مزعج لصفارة انذار ...
يسود الضجيج المكان ...
سعد والانثى / الفتاة يرتبكان ... يجولان المسرح ركضاً بحثاً عن مكان ما ليختبؤا به ...
الانثى / الفتاة : لقد عادوا مرة اخرى ...
سعد : لقد عادوا مرة اخرى ...
الانثى / الفتاة : اين نذهب الان ؟
يقفان احدهما ماسكاً بيد الآخر ... يبدأ صوت صفارة الانذار بالتهافت ... تخطر لسعد فكرة ما ...
سعد : لنختبيء خلف القمر ..
سعد يأخذها ... يهرولان سعياً للاختباء خلف القمر ...
تتسلط بقعة من الضوء خلف القمر ليظهر خيال ظلهما ..
.... جالسان احدهما قرب الاخر ..
ينقطع صوت صفارة الانذار .
الانثى / الفتاة : يا الهي ... اخشى ان اخاف من هذا المكان ...
سعد : المحبون لا تخيفهم الامكنة مهما بلغت غرابتها ..
.... لحظات من التأمل الصامت ....
سعد : يا ألله انك تتلألئين ...
... موسيقى هادئة ...
خيال ظل سعد يبين انه يشم رقبة الانثى / الفتاة .
سعد : هذه الرائحة ... أكاد اذكرها ... أين ...؟ أين ...؟ أكاد اذكرها .
الانثى / الفتاة : من يدري ...؟ مع ولوج الموت اعمق ... فاعمق قد تجد قمراً يستدير ليغمرك بنوره .
سعد : اتظنين ؟؟
الانثى / الفتاة : قلت من يدري ..
سعد : اسمعي .... ان بيننا حكاية ... ينبغي ان ارويها ... وان نرويها .
الانثى / الفتاة : وما أهمية روايتها ...؟
سعد : اشعر ان موتي لن يكتمل الا اذا رويت حكايتنا ... وهذه هي اهمية الامر .
الانثى / الفتاة : وما هي الحكاية ...؟
موسيقى ....
يُظهـــِر لنا خيال ظلهما بأنهما بدءآ التقبيل لبعضهم البعض ...
خيال الانثى / الفتاة تمتنع بدلع .
صورة لحركة رمزية لخيال ظلهما ترمز لحالة الجماع فيما بينهم ...
... لحظات ....
يدخل ورم حاملاً بيده مكبرة صوت .. صارخاً بها..
ورم : لم يكن هذا مذكوراً في مناهج تعليم الموت ..
تبتعد الانثى / الفتاة عن سعد ...يخرج كل منهما عن محيط القمر ...
يخرجان ....
يتقدمان الى وسط المسرح ...
سعد يتفاجأ ناظراً الى القمر .. غير مبالياً بورم...
بينما ورم مراقباً ذلك بحقد .
سعد : آآه ... يآل المسكين لقد حُبـِس القمر معنا ...
الانثى / الفتاة : (( تتدارك الموضوع )) يآل المسكين .. انه خلف القضبان ..
ورم : (( الى الانثى / الفتاة صارخاً بمكبرة الصوت )) لم يكن هذا ضمن الاتفاق ..
من الممكن في عالمنا ان الاموات يسحبون الاحياء الى عالمهم .. وليس من المعقول ان يسحب الاحياء الاموات الى عالمهم ... لا لا ... لم يكن هذا ضمن الاتفاق .
الانثى / الفتاة : ماذا لم يكن ضمن الاتفاق ؟
ورم : ان تساعديه برواية حكايته ...
موسيقى ...
الانثى / الفتاة تتفاتجأ ...
تنتبه بأنها قد تجاوزت حدود تابو مقدس ...
... تتوتر ...
تنظر الى سعد منزعجة ...
الانثى / الفتاة : ولكنه قال ... بان موتي لا يكتمل الى اذا رويت حكايتنا ..
سعد : (( متفاجئاً )) هل انتِ معي ام مع الورم ؟!!
الانثى / الفتاة : مع السلام ..
سعد : السلام ...؟ تقولين السلام ؟؟
السلام كلمة جميلة الايقاع .. ولكن حمامته تطير كسيرة الجناح
ورم : لا داعي لهذه الفخامة ...
سعد : الا تعلم بأن الموت بحد ذاته فخامة ؟؟
الانثى / الفتاة تجثو على ركبتيها ... تنهار ...
سعد ينتبه الى ذلك .. يركض اليها لمساعدتها ..
الانثى / الفتاة : ابتعد عني ...
سعد : (( يتفاجأ ... صمت )) ساعديني ... ساعديني لكي اعرف تصنيفي هل انا من الاموات ام من الاحياء ؟
الانثى / الفتاة : (( بحالة هستيرية )) ابتعــد ...
سعد : (( بحزم )) تزعمين ان الموت جعلك نقية كاللؤلؤة ... فكيف ترفضين مساعدة رجل يتوقف عليك اكتمال مصيره ؟
الانثى / الفتاة : لا استطيع ... لا استطيع .. ما زالت تنبعث منك رائحة الدنيا ووخمها ..
سعد : كيف اتخلص من الوخم ان ادرت ظهرك لي ؟
الانثى / الفتاة : لا فائدة من ذلك ... لا فائدة ...
تنهض الانثى / الفتاة .... تتقدم الى وسط المسرح ..
الانثى / الفتاة : حتى لو مُت ... ستبقى بك رائحة الحياة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ****انتهت****
الخميس مايو 26, 2011 2:12 am من طرف الكينج
» عزاء واجب
الخميس مايو 26, 2011 2:10 am من طرف الكينج
» * تستعد فرقه المسرحجيه لعرض مسرحيه طريق الخلاص اعداد واخراج عادل جمعه *
الأحد أبريل 03, 2011 12:47 am من طرف الكينج
» المخرج عادل جمعه
السبت أبريل 02, 2011 3:23 am من طرف الكينج
» لحظات فى عيون شهداء 25 يناير بقلم / حسين محمود
الأحد مارس 06, 2011 1:06 am من طرف الكينج
» سجين نفسى (( اهداء للصحافة الاعلام المصرى ))
الأحد مارس 06, 2011 1:04 am من طرف الكينج
» يوم الثورة
الأحد مارس 06, 2011 1:01 am من طرف الكينج
» .. الخلطة السرية للوصل الى الديمقراطية
الأحد مارس 06, 2011 12:59 am من طرف الكينج
» النقد المسرحى و مسرح الهواة
الأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:57 pm من طرف الكينج
» «مملكة النمل».. يكشف القضية الفلسطينية
الأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:50 pm من طرف الكينج
» مسرح الهواة.. الاستراتيجية والمنهج
الأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:47 pm من طرف الكينج
» الشافعي يعيد "جمال عبد الناصر" مع "عشاق النيل"!
الأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:42 pm من طرف الكينج
» حاليا على مسرح قصر ثقافة السلام
الأربعاء ديسمبر 22, 2010 12:14 am من طرف الكينج
» حصرياً - فيلم الكوميديا الرائع ( سمير وشهير وبهير ) نسخه جديده ts.hq أفضل وضوح - بحجم 200 ميجا - وعلى أكثر من سيرفر
الأربعاء نوفمبر 24, 2010 4:04 pm من طرف الكينج
» بإنفراد تام أسطورة الكوميديا عادل إمام فى فيلم العيد وقبل العيد زهايمير بجودة خرافية وتحميل مباشر على أكثر من سيرفر
الأربعاء نوفمبر 24, 2010 3:57 pm من طرف الكينج
» بإنفراد : نجم الكوميديا الأول أحمد حلمى و فيلم العيد الرهيب بلبل حيران . بجودة High CAM وتحميل مباشر على أكثر من سيرفر .
الأربعاء نوفمبر 24, 2010 3:54 pm من طرف الكينج
» حصريا .. أحدث ألعاب كرة القدم والتاكتيك . Fifa Manager 2011 بمساحة 2.4 جيجا فقط على أكثر من سيرفر
الأربعاء نوفمبر 24, 2010 3:49 pm من طرف الكينج
» لعبة المتعة والاثارة .. Creatures Exodus نسخة فل ريب بمساحة 170 ميج فقط ..
الأربعاء نوفمبر 24, 2010 3:46 pm من طرف الكينج
» لعبة الاكشن والمغامرات الرائعة :: Alien Breed 3 Descent Repack :: مضغوطة بحجم 353 ميجا فقط
الأربعاء نوفمبر 24, 2010 3:42 pm من طرف الكينج
» مسرح الهواة
الثلاثاء أكتوبر 05, 2010 12:59 am من طرف الكينج