العرب والمسرح:
- تدور مجموعة من التساؤلات حول علاقة العرب بالفن المسرحي، ولعل إثارة هذه التساؤلات، تعود إلى عدم وجود أدلة ملموسة في التاريخ العربي، تؤكد وجود علاقة تربط العرب بالمسرح؛ إذ خلا التاريخ العربي، والحضارة العربية التي ازدهرت في العصر العباسي، من نصٍ أو عرضٍ تمثيلي يؤكد معرفة العرب بهذا الفن، كما الحال عند الإغريق، وقدامى الهنود والصينيين.
[size=12]- إلا أن الحضارة العربية تركت مجموعة من الظواهر، وبعض الحكايات، والمواقف المتناثرة في الكتب المتفرقة، وفي أقوال الرواة المتناقلة عبر الأجيال، التي تنبه إليها دارسو المسرح المحدثون، عندما أعادوا قراءة التراث العربي، وهذا أدى بدوره إلى خلق إشكالية تشعبت فيها الآراء، بين مؤيدٍ ونافٍ، إذ انقسم الدارسون والباحثون في علاقة العرب القدماء بالمسرح إلى فريقين: الأول يقول بعدم معرفة العرب للفن المسرحي، والثاني يؤكد تلك المعرفة، ويدفع كل فريقٍ في سبيل ذلك بالعديد من الحجج.
[size=12]1- حضارة الشرق القديمة والمسرح اليوناني:
[size=12]- لقد استفاد الباحثون المسرحيون العرب من اكتشافات البحوث الأثرية[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] التي دلت على وجودنصوص درامية) في مصر. ليثبتوا أن المسرح أول ما نشأ في مصر القديمة، قبل نشوئه عند الإغريق، إلا أنه ظل في مصر القديمة مرتبطاً بالدين، بينما انفصل المسرح الإغريقي عن الدين وعن المعبد، فكتب له طول البقاء.
[size=12]- ففي الوقت الذي يتحدث فيه بعض الدارسين عنالمعجزة اليونانية) والدولة الخارقة، نسمع أصواتاً تؤكد النشأة الأولى للمسرح في مصر القديمة في عهد الفراعنة، ومن ثم انتقاله إلى بلاد الإغريق، حيث طور ليأخذ معالمه المعروفة. ويرون أنالمعجزة اليونانية) ما هي إلا بلورة للتأثيرات الشرقية والمتوسطية، ذلك أن البحوث الأثرية أثبتت أن الحوار قد ولد في مصر وبلاد الحيثيين وما بين النهرين، بين الألف الثاني والنصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد.
[size=12]- واعتمد بعض الدارسين في تفسير تلك الظاهرة على تطبيق نظريةالتطور) على فنون الأدب وأنواعه، وذلك على مذهب أصحاب التطور من أنصار داروين، الذين يرون أن الكائن الحي خاضع بطبعه لقوانين التطور. وقياساً عليه فإنهم يرون أن الأدب أثر من آثار الإنسان الذي هو كائن حي، فلابد أن يخضع مثله لهذه القوانين؛ إذ ليس من المعقول: أن تكون قرائح هذه الأمة، قد ضرب عليها العقم طوال هذه الحقبة السابقة لهوميروس، فلم تنتج شيئاً في ناحية من نواحي الآداب، لأن هذا يتعارض مع نواميس الحياة الاجتماعية، ولا يمكن تصوره في أي مجتمع إنساني، فلابد إذن أن تكون الإلياذة قد سُبقت بمنتجات أدبية عفى عليها الدهر، فلم يصلنا منها شيء يعتد به، على أن الإلياذة نفسها أصدق دليل على ما نقول، وذلك أنها بلغت في ألفاظها وتراكيبها وأساليبها ومعانيها ومناهج دراستها للحوادث التاريخية شأواً راقياً لا يمكن أن تبلغه أمة ما في مبدأ عهودها...)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]إن هذا الاحتمال وارد عند الباحثين العرب، لأن آثار الكتابة العربية قد شوهدت في جزر الأرخبيل، على غير رسم الحروف الفينيقية، ولأن التاريخ الفينيقي لبلاد اليونان يدل على أسباب الهجرة إليها من البلاد الشرقية. كما يدل على تتابع الهجرة قبل ذلك من الناحية الآسيوية، إذ يقول العقاد: وموقع بلادنا ينبئنا بالعلاقة التي توجد بينه وبين الحضارات الشرقية. أو توجد بينه وبين حركات الأمم في أدوار هجرتها، واستقرارها منذ فجر التاريخ، فلم تنقطع علاقتها بالشرق منذ خمسة آلاف سنة على الأقل. ولم تكن علاقتها بالشرق في هذه العصور إلا علاقة التلمذة المتتابعة على الثقافات المتتابعة فيه، ولا سيما الثقافة الروحية. وثقافة النظرة الكونية العامة، وتأتي بعدها ثقافة المعيشة المستمدة من الصناعة وعروض التجارة..)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]وقد حاولعلي عقلة عرسان) أن يثبت أن النشأة الأولى للفن المسرحي تمت على أيدي المصريين، إلا أن اكتمال هويته، واستقامة بناء نصوصه الدرامية تمت على أيدي الإغريق؛ إذ يقول: أما المسرح كفن له تقاليد وأعراف ومميزات خاصة، له فعالية معينة تتم بأساليب أداء محددة، فلم تبدأ بعض ظواهره الموفقة إلا عند المصريين القدماء، ولم تكتمل هويته ويتكامل بناء نصوصه الدرامي إلا عند الإغريق، رغم ما يوجد من انفصال بين النشأتين)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وحاول عرسان عن طريق القرائن والوثائق التي وجدت في مصر القديمة أن يثبت وجود مسرح مصري، نستطيع عن طريق قراءة نصوصه أن نعرف الكثير عن حياة المصري القديم، وعن حضارته، ومعتقداته.
[size=12]واستعان عرسان-في موضع آخر- بالأدلة التاريخية والاقتصادية ليعزز فكرته، مثبتاً أن صلات التبادل التجاري والثقافي كانت قائمة بين المناطق التي تشمل حوض البحر المتوسط وبحر إيجه وبلاد ما بين النهرين؛ فالتأثير كان متبادلاً بين مصر القديمة واليونان، وقد ظهر ذلك التأثير عن طريق التبادل التجاري والتزاوج، وأدى الاحتكاك بين البلدين إلى تبادل التأثير في الحياة الثقافية والاجتماعية، وفي العبادة الدينية، ويرى أن الإقرار بأن الإغريق أول من عرفوا المسرح يعدّ تجنياً على الحضارة العربية، والسامية من فينيقية وبابلية[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]وهناك من يؤكد أن الفكر الفينيقي والمصري، كانا رافدين من روافد الفكر اليوناني؛ إذ يرى الناقديوسف سامي اليوسف) أن الفكر اليوناني لم يكن جذر الفكر الإنساني. بل يرى أن تمجيد أوربا الغربية للحضارة اليونانية، والإعلاء من شأنها، مردّة لغاية ما، علّها تكون إظهار كره وحقد على الشرق، إذ حاول الأوربيون أن يثبتوا انتسابهم إلى الأمة الإغريقية، وأنكروا ما جنوه من الحضارة العربية[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وقد رأى من الناحية التاريخية أن الحضارة أول ما بدأت وازدهرت في الأناضول الغربي ثم راحت تعبر البحر اليوناني وإيطاليا الجنوبية، مثبتاً في ذلك أن الإغريق ليسوا أول من عرفوا الآداب والفنون ومنها المسرح.
[size=12]ولعل ما أشار إليه سامي اليوسف من فضل للشرق على الحضارة اليونانية، ومن ثم الحضارة الغربية فيما بعد، وجدناه مسهباً في قصة الحضارة، وذلك عندما تحدثديورانت) عن فضل الشرق الأدنى، وحضارته فقال: .. وقصارى القول أن"الآريين" لم يشيّدوا صرح الحضارة، بل أخذوها عن بابل ومصر، وأن اليونان لم ينشئوا الحضارة إنشاءً لأن ما ورثوه منها أكثر مما ابتدعوه، وكانوا الوارث المدلل المتلاف لذخيرة من الفن والعلم، مضى عليها ثلاثة آلاف من السنين، وجاءت إلى مدائنهم مع مغانم التجارة والحرب، فإذا درسنا الشرق الأدنى، وعظمنا شأنه فإنا بذلك نعترف بما علينا من دين لمن شادوا بحقٍ صرح الحضارة الأوربية)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]لقد تأثر الإغريق على الأغلب بالمسرح الذي كان معروفاً في مصر القديمة، ولكنهم لم يقفوا عند حدود التأثر، بل طوروا المسرح، وفي الوقت الذي ظل فيه المسرح في مصر القديمة منعزلاً داخل أسوار المعابد، كان المسرح في بلاد الإغريق يتطور ويخرج إلى الناس، ولذلك ازدهر المسرح عند الإغريق، وانحسر في مصر القديمة.
[size=12]إن المصري القديم على الرغم من توفر عنصر الدراما في أساطيره، لم يستطع أن يتجاوز دائرة الدين، ويخرج إلى الحياة الاجتماعية، كما هو الحال عند الإغريق الذي انفصل عن دائرة الدين، وخرجت الدراما من المعابد. ولهذا كله من السهل أن نتصوركيف أمكن أن يتطور المسرح الإغريقي من مجال الدين والآلهة وأساطيرهم إلى مجال الإنسان وحياته ومجتمعه، وذلك لأن تلك الآلهة لم تكن في الواقع إلا بشراً، وإن تضخمت أبعادهم وفاقت قوتهم وذكاؤهم قوة البشر وذكاءهم وأبعادهم، وأما عند المصريين القدماء فإن الهوة كانت سحيقة بين عالم الآلهة وعالم الإنسان على نحو لم يستطع أن يتخطاها الفن المسرحي بفرض وجوده في عالم الآلهة وعالم الأساطير)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وهكذا فبينما تولدت التراجيديا في المجتمع الأثني من الاحتفالات الدينية بعد أن تحررت من الأصول الإلهية، لتصبح غاية في ذاتها، ثم انتقلت إلى مرحلة التطور المسرحي الكامل، فإن هذه الاحتفالات وقفت عند المعنى الديني في مصر القديمة، ولم تتجاوزها إلى مرحلة فنية أخرى.
[size=12]- ولعل هذا ما جعل أغلب النقاد يرون أن الجو الديني-قبل الإسلام وبعده- لم يسمح لهذه المرحلة أن تتطور، وذلك بعد أن نبشوا التراث باحثين عن مسرح عربي أسوة بالمسرح الإغريقي، وتحول البحث إلى إدانة وُجهت إلى الحضارة العربية، لأنها لم تتعرف إلى هذا اللون من ألوان الفن، وشكّل ذلك ظاهرة تحتاج إلى تفسير، ومنهم من رأى أنها ظاهرة مرضية في الأدب العربي، ومن ثم تحولت هذه الظاهرة إلى قضية، وجُنّدت الأقلام للبحث عن أسباب عدم وجود هذا الفن في التاريخ العربي، وسر تقدم الإغريق فيه حتى أصبحوا رواد هذا الفن، وواضعي أسسه، وراحوا يكيلون الحضارة العربية بمكيال الحضارة اليونانية اعتقاداً منهم أن المقدمات المتشابهة تؤدي إلى نتائج متشابهة. ووقفوا إلى جانب المستشرقين الذين أدانوا الحضارة العربية والإسلامية، عندما انطلقوا من نظريات عرقية تثبت تفوق العجم على العرب بل انطلقوا في دراساتهم وأبحاثهم منالمركزية الأوروبية) متجاهلين خصوصية الثقافة العربية[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]
[size=12]2- نفي وجود الظاهرة المسرحية عند
[size=12]العرب القدماء:
[size=12]أ- قبل الإسلام:
[size=12]-لقد تطرقطه حسين) في كتابهفي الأدب الجاهلي) إلى الشعر التمثيلي، وأخضع هذا الفن لمنهج بورنتيير Brunteiere في النشوء والارتقاء، المنقول عن نظرية داروين Daruine وأكد أهمية العوامل السياسية والاجتماعية والدينية في تطوير الشعر اليوناني وفي ملاءمته لعصره وبيئته[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لكنه عندما تحدث عن الشعر العربي جعل التقليد عاملاً وحيداً في نشوء فن ما عند شعب من الشعوب، وقد لام شيوخ المدرسة القديمة لأنهم حاولوا أن يثبتوا وجود القصص والتمثيل في الشعر، على اعتبار أن العامل النفسي ممثلاً بالنزعة الفردية، هو السبب الذي حال بين العربي والشعر التمثيلي إذ يقول: فأنت ترى أن شيوخ المدرسة القديمة يخلطون ويفسدون الأمر، حين يرون أن في الشعر العربي قصصاً أو تمثيلاً، والحق أن الشعر العربي غناء كله، فيه مميزات الشعر الغنائي، فهو شخصي يمثل قبل كل شيء نفسية الفرد وما يتصل بها من عاطفة وهوى وميل، ...) وهو في أول أمره معتمد على الموسيقى، ليس من شك في أنه كان يغني غناءً، ثم استقل عن الموسيقى شيئاً فشيئاً وقل فيه تأثير الغناء، حتى أصبح ينشد إنشاداً، والإنشاد شيء بين القراءة والغناء، وهو في الشعر كالترتيل في القرآن)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]-ويرى طه حسين أن هذه الأنواع لم تكن متصاحبة عند اليونان، فنموّها كان مطرداً، ذلك أنه عندما ضعف القصص قوي الغناء، وضعف الغناء عندما قوي التمثيل، إلا أن طه حسين بعد أن قرر مبدأ التطور الأدبي الموازي للتطورات السياسية والاجتماعية، استغرب عدم تزامن هذه الفنون، علماً بأنها نتاج ظروف مختلفة، وحقب متباعدة!!.
[size=12]-وعندما ناقشتوفيق الحكيم) هذه القضية استعان برأي لـفيكتور هيغو) أورده في مقدمة مسرحيةكروميل) عندما قال: إن المجتمع البشري يدرج ويشب متغنياً بأحلامه ثم يأخذ بعدئذ في سرد أعماله، ثم يعمد آخر الأمر إلى تصوير أفكاره!..) لقد قسم هيغو تاريخ البشرية إلى ثلاثة عهودالعهد الفطري) والعهد القديم) والعهد الحديث) فالعهد الأول هو عهد الشعر الغنائي، وهو عهد الفتوة والثاني هو عهد الملحمة، وذلك عندما تتطور القبيلة، وتصبح أمة، فتحل غريزة المجتمع مكان غريزة التنقل، وفي هذه المرحلة تتم عملية احتكاك الأمة بأمم أخرى فتتصادم وتتحارب، عندها ينشأ الشعر ليروي وقائع الأحداث، أما العهد الأخير فهو عملية التمثيلية، وفيه يتجلى الشعر الكامل لأنه يحوي في داخله شيئاً من الغناء وشيئاً من الملاحم، باختصار يرى هيغو أن الشعر يبدأ في أمة من الأمم غنائياً ثم يصبح ملحمياً ثم يغدو تمثيلياً.
[size=12]- وقد استعان توفيق الحكيم بهذا الرأي ليثبت أن العرب مروا في شعرهم بهذه الأطوار الثلاثة، ولكن على صعيد المضمون لا الشكل؛ إذ إنالشعر العربي قد تغنى بالأحلام، ووصف الحروب، وصور الأفكار؛ دون أن يغير في طريقته، أو يخرج عن قالبه، أو ينحرف عن أوضاعه)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] إذن فقد تمّ التطور من ناحية المضمون لا من ناحية الشكل، إذ حالت ظروف متعددة لابست نشأة الدولة العربية دون إتمام هذا التطور.
[size=12]- وعندما تحدثمحمد مندور) عن هذه الظاهرة، وجد أن الشعر العربي القديم قد تميز بسمتين أساسيتن هما: النغمة الخطابية والوصف الحسي، وهاتان السمتان لا تنتجان شعر الدراما، لأن شعر الدراما يقوم-كما يقول- على الحوار المختلف النغمات، لا على الخطابة الرنانة، كما يقوم على خلق الحياة والشخصيات وتصور المواقف والأحداث، لا مجرد الوصف الحسي الذي يستقي مادته من معطيات الحواس المباشرة، ولا يلعب فيها الخيال إلا في التماس الأشباه والنظائر، ومدّ العلاقات بين عوالم مختلفة- عن طريق اللغة بفضل التشبيهات، والاستعارات، والمجازات المختلفة)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]-وقد قارن مندور بين الأساطير العربية وأساطير اليونان. فوجد أن نموها لم يكن مطرداً، ولم يتوفر عنصر الدراما في الأساطير العربية، كما توفر في أساطير اليونان، ويحيل السبب مرة أخرى إلى الشعر العربي لأنه ظل غنائياً لم ينفصل عن قائله، لذا فقد نفى مندور أية معرفة لعرب ما قبل الإسلام بالفن المسرحي، أو الفن الملحمي، على الرغم مما وصفوا من أيام وحروب، ومن معارك ومغامرات، علماً بأن مندور قد أشاد بقدرة التصور عند العرب القدماء. واعتبر السمات المميزة للشخصية العربية هي من نتاج البيئة.
[size=12]-وإذا كان مندور قد وجه اتهاماً إلى الخيال العربي حين عده قاصراً، فقد وجدنا أحمد أمين منصفاً في رده علىأوليري) عندما قال: إن العربي ضعيف الخيال جامد العواطف) إذ وجد أن هذه الفكرة قد نشأت بسبب انعدام الشعر القصصي والتمثيلي في الشعر العربي، فهو يقول: أما ضعف الخيال فلعل منشأه أن الناظر في شعر العرب لا يرى فيه أثراً للشعر القصصي ولا التمثيلي. ولا يرى الملاحم الطويلة التي تشيد بذكر مفاخر الأمة، كإلياذة هوميروس وشاهنامة الفردوسي...) ونحن مع اعتقادنا قصور العرب في هذا النوع من القول نرى أن هذا الضرب أحد مظاهر الخيال لا مظهر الخيال كله..)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]ومن العوامل التي تصور بعض الدارسين أنها شكلت حائلاً بين العرب والمسرح العامل الجغرافي الذي عدّهتوفيق الحكيم) من أهم العوامل، إذ يرى أن العربي القديم قد تعرف على هذا الفن، وشاهد المسارح الرومانية، إلا أن عدم الاستقرار كان عاملاً قوياً حال بينه وبين نقل هذا الفنلأن المسرح يتطلب أول ما يتطلب: الاستقرار!.. افتقار العرب إلى عاطفة الاستقرار، هو في رأيي السبب الحقيقي لإغفالهم الشعر التمثيلي، الذي يحتاج إلى المسرح)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]لكن ألم يعرف العرب الاستقرار في الدولة الأموية والدولة العباسية؟، ألم يعرفوا حياة المدينة المستقرة؟. والجواب عند الحكيم بسيط؛ وهو أن العرب في الدولة الأموية وما بعدها ظلوا يعتبرون شعر البداوة، والصحراء مثلهم الأعلى، الذي يحتذى، وينظرون إلى الشعر الجاهلي نظرتهم إلى النموذج الأكمل، الذي يتبع!..)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] . فاعتزاز العربي بشعره أغناه عن ترجمة أشعار غيره، وهذا بالفعل ما أكده النقاد القدماء أمثال ابن قتيبة وغيره، وقد أشار إلى ذلكأحمد أمين) معتمداً على رأي لابن قتيبة في كتابهالشعر والشعراء) إذ يرى أنه من الصعب العثور على معان يونانية وردت في شعر العرب في العصر الإسلامي وبعده، وعلة ذلك أن العرب وهم العنصر الحاكم كانوا متعصبين حد التعصب لشعرهم، لا يسمحون فيه بابتكار أو تحوير في الأساس، فنظم البيت. وبحر الشعر، وقافية القصيدة، ونحو ذلك أشياء مقدسة لا يصح أن تمس بسوء...)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]-وهناك من يردّ عدم معرفة العرب للمسرح إلى طبيعة تركيب المجتمع الجاهلي؛ فقد أشار العقاد إلى أهمية العوامل الاجتماعية في تشكيل حضارة شعب من الشعوب-وعنده- أن التمثيل هو بعض الفنون التي ترتبط بالحياة الاجتماعيةفإنما يقوم التمثيل من الناحية الاجتماعية على التجاوب بين الأفراد والأسر..) ولم يكن في مجتمع البداوة مجال كبير لهذا التجاوب الكثير بين أسرة وأسرة وبين إنسان وإنسان)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]-ويرى بعض الدارسين أن غياب الصراع الفردي في المجتمع الجاهلي أدى إلى غياب النشاط المسرحي؛ فالحياة في العصر الجاهليقد أذابت الفرد في الجماعة فخلقت تصوراً جماعياً للعالم ورأياً عاماً مشتركاً في الكون، فقد ترتب على ذلك غياب الصراع داخل المجتمع أو اختفاء حدته على الأقل، فلم تكن مثل تلك الحال تستدعي الدراما قدر ما تستدعي التغني بالجماعة"القبيلة" والترنم بآثارها)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]-وهكذا مما تقدم نلحظ أن أسباباً متعددة تصورها الدارسون فسروا بها غياب المسرح عن الحضارة العربية، والحقيقة فإن هذه الأسباب التي صنفت تحت عوامل تتعلق بطبيعة الشعر العربي، وعوامل جغرافية، واقتصادية، واجتماعية، ودينية، كلّها تعدّ أسباباً واهية، لم تزد الأمر إلا تعقيداً، وما وضع ما هو إلا وصف لطبيعة المجتمع وواقعه، ولم نرَ سبباً واحداً مقنعاً. بل لكل سبب ما يدحضه على أرض الواقع.
[size=12]-ثم إنه ليس من الواجب أن ينشأ الفن المسرحي عند عرب الجاهلية لأن الفن المسرحي ليس ظاهرة طبيعية مطردة، واجبة التواجد في كل أمة من الأمم لذا فإن الدارسين لم يصيبوا كبد الحقيقة، عندما راحوا يبحثون في الأسباب التي أعاقت نشوء هذا الفن في الأرض العربية الجاهلية، وابتعدوا عن الصواب مرة أخرى عندما أخذوا يقارنون العرب في جاهليتهم، بالعصر الذهبي في الحضارة اليونانية، فالمقارنةتصح بين أمم في طور واحد من الحضارة، لا بين أمة مبتدية، وأخرى متحضرة، ومثل هذه المقارنة كمقارنة بين عقل في طفولته، وعقل في كهولته)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]ب- بعد الإسلام:
[size=12]- على الرغم من إشارة بعض الدراسات إلى عدم معرفة العرب للفن المسرحي، قبل الإسلام وبعده، وأنه لا علاقة للوثنية به؛ ذلك لأننا عدمنا وجود نص ديني يحض على تحريم هذا الفن أو فتوى تمنع مزاولته، لكن اتفقت معظم آراء الدارسين على أن الإسلام قد حال دون اقتباس هذا الفن، لأنه يتعارض مع روح الدين الإسلامي، ولأنه يتعارض مع الطبيعة العربية.
[size=12]- فقد رأى بعض الدارسين أن الثقافة اليونانية أثرت تأثيراً فعّالاً في المسلمين، ذلك أن اتصالهم بها صاحب عصر التدوين، فكان التأثير على صعيدي الشكل والمضمون، ومقابل العديد من الترجمات من الكتب العلمية، فإننا لا نعثر على كتاب أدبي يوناني، وعلة ذلكأن الفلسفة والعلوم عالمية، والأدب قومي، ذلك أن الفلسفة والعلم نتاج العقل، والعقل قدر مشترك بين الأفراد والأمم...) أما الأدب فلغة العواطف، وليس للعواطف منطق يضبطها، والأدب ظل الحياة الاجتماعية، ولكل أمة حياة اجتماعية خاصة بها تمتاز عن حياة الأمم الأخرى في أشكالها ومراميها؛ من أجل ذلك تذوق العرب، منطق أرسطو وطب جالينوس ولم يتذوقوا إلياذة هوميروس)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أضف إلى ذلك أن العرب لم يستعينوا بالثقافة اليونانية بشكل عشوائي، بل بشكل مخطط ومنظم، راعوا فيه التعاليم الإسلامية، والثقافة العربية؛ فهناك من كان ينظربإحدى عينيه إلى الثقافة اليونانية، وبالعين الأخرى إلى التعاليم الإسلامية والثقافة العربية، فيختار من الأولى ما يتفق والثانية)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لذا فقد تعامل العرب مع النصوص اليونانية بحذر شديد، ومن هنا فقد اتفقت الآراء على أن الوثنية هي العامل الأول في عدم تعرف العرب إلى هذا اللون من ألوان الفنون؛ فالأدب اليوناني هو أدب وثني، تعددت فيه الآلهة وعُبدت الأبطال[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لهذا فقد امتنع المترجمون عن ترجمة هذا النوع من أنواع الأدب، ذلك أن الدين الإسلامي دين توحيد وتنزيه للّه تعالى.
[size=12]- أضف إلى ذلك أنمتى بن يونس) عندما ترجم كتابفن الشعر) لأرسطو لم يفهم معنى كلمة تراجيديا وكوميديا، فظن أن المأساة يقابلها المديح في شعر العرب، والمسرحية الهزلية يقابلها الهجاء.
[size=12]وقد أكد الحكيم أهمية هذا الرأي، داحضاً الرأي الأول أي الوثنية، متذرعاً بأن الإسلام لم يكن عسيراً على فن من الفنون، إذ سمح للناقلين أن يترجموا كثيراً من الآثار التي أنتجها الوثنيون[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ويرى أن صعوبة فهم القصص الشعري التي تدور حول الأساطير اليونانية المتعددة، وغرقها في الميثيولوجيا حال دون فهمها واستيعابها، ومن ثم ترجمتها.
[size=12]وهناك من يعيد غياب المسرح عن التفكير الإسلامي إلى أسباب دينية لا تتعلق بالوثنية وترجمة النصوص، وهي أن الدين الإسلامي يمنع التصوير والتمثيل فـالتجسيد المادي للإنسان، ومظاهر الطبيعة عن طريق الأنصاب والنحت والتصوير، قد كان مكروهاً ومنهياً عنه، ذلك عند فجر الدعوة الإسلامية، وهي تناهض الوثنية وأنصابها)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]
[size=12]- لكن على الرغم من هذه الادعاءات، فقد عدمنا وجود نص قرآني صريح يدعو إلى تحريم التصوير أو التمثيل، باستثناء التحريم المتعلق بالعبادة الوثنية للأصنام، أي حرمت صناعة الأصنام والتماثيل، التي كانت الغاية من صنعها العبادة والحقيقة إن كل هذه الروايات التي أشارت إلى منع بعض أشكال التعبير لم تقصد إلا التحديد فقط ولم تقصد الإنكار، وإن الدين لم يمنع الفن... وإنما التمجيد الذي يصل إلى حد العبادة)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]-وقد انطلق أدونيس في حديثه عن العرب والمسرح من موقف الإسلام التحريمي للتصوير وعمل التماثيل، وما شابهه، ويمتد هذا ليشمل المسرح الذي هو خلق؛ خلق شخوص ومواقف وأفعال[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ولما كان التمثيل في أحد أوجهه تصويراً، فهو يخضع للتحريم مثله لأن كليهما فعل يضاهي فعلاً يخص الله وحده. واعتمد في ذلك على رواية لابن عباس عندما قال فيما يتعلق بالتصوير: إن كان أحدكم ولابد فاعلاً، فليصنع الشجر، ومالا نفس له).
[size=12]وإذا كان أدونيس قد وجد مخرجاً للتصوير، وذلك عن طريق تصوير الجماد والأشياء ومالا نفس له؛ أي الإنسان، فالتمثيل عنده، لا مخرج له فهو يقوم أساساً على الإنسان وبواسطته؛ إذ يقول: وبقدر ما يتناول التصوير"ما له نفس" وبخاصة الإنسان يكون نفياً لفعل اللّه، ومن هنا يبلغ هذا النفي ذروته في التمثيل، ذلك أنه تصوير للخلق والخُلق معاً)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ويورد أدونيس مفاهيم أخرى ومصطلحات لغوية تتعلق بالمسرح، حاول أن يؤكد فيها التعارض النفسي والذهني بين الثقافة العربية والفن المسرحي.
[size=12]- ويضيف أن المسرح هو عالم الإشكال، والعربي نشأ ضمن ثقافة لا إشكال فيها بل أزالت جميع الإشكالات على صعيدي الطبيعة، وما وراء الطبيعة، والثقافة العربية عنده يمكن تسميتها ثقافة الإيمان التي لا تساؤل فيها، ثقافة وضعية حكمية لا تحليلية نقدية، والمسرح لكونه درامياً، أو تراجيدياً معناه في جوهره قلق كيان ومصير، أي إن الإنسان هو مركز الكون، نعرض فيه لتجاربه الحاسمة ونمسرحها ونعيشها كما نأمل أن تكون على أن تتم في حركة تكشف عن انفصال بين الإنسان من جهة، واللّه والكون من جهة ثانية، أي تكشف عن ذات وموضوع، وحسب الثقافة التي نشأ بها العربي وتربى عليها فإن اللّه هو مركز الكون، وليس فيها ذات وموضوع بالمشار إليه، ونخلص من ذلك كله إلى القول بأن المؤمن لا يحتاج إلى الدرامية أو التراجيدية لأنه لا يقلق، مطمئن، لا يعذبه شيء، ومن لا يكون معذباً من هذه الناحية، لا يستطيع أن يمارس الدرامية أو التراجيدية، ولا يستطيع فهم مسوغاتها الفنية.
[size=12]- مما يلحظ أن أدونيس قد ركز على نوع واحد من أنواع الصراع، وهو الصراع بين إرادة البشر ومشيئة اللّه، علماً بأن الحياة البشرية تموج بالصراعات، فهناك صراع داخل الإنسان، وهناك صراعات بين الإنسان والإنسان، كلها في حدود طاعة الله، وتصوير الإسلام للكون والحياة، ولو رحنا نطبق هذا الأمر على المسرح اليوناني الذي هو المثل الأعلى عند الدارسين، فلا نستطيع أن نجزم بوجود صراع واحد، إذ تعددت الصراعات وتنوعت، وقد جمعهامحمد عزيزة) في كتابه الإسلام والمسرح تحت بنود أربعة وأخذ لكل منها مثلاً من المسرح اليوناني، وهي: الصراع بين الإنسان والآلهة وهذا يعني تمرد الإنسان حين تواجه حريته الإرادة الإلهية وهوالصراع العمودي) والصراع بين الانسان والمجتمع وهو الصراع الأفقي) والصراع بين الإنسان وقدره، الذي يرفض فيه الفرد الاستسلام للقدر والحتمية وهوالصراع الديناميكي) وأخيراًالصراع الداخلي) الذي ينشأ بين الإنسان وذاته، ويكون سبباً في شقائه ومصدراً لآلامه[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]- ورأى آخرون أن الإسلام قد اتسم بالواقعية والعقلانية، لذا لم يتكون النمو الشعري والنمو الأسطوري، وما دامت الأساطير لم تظهر فإن الملاحم لم تظهر أيضاً والسبب في ذلك-كما يرون- أن الإسلام هو ملحمة بحد ذاته، ملحمة مرتبطة بالواقع[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] . وقد يقول قائل: إن البطولات ظهرت في السير الشعبية، ويعلل الحجاجي السبب بأنها ظهرت إثر اضمحلال الحضارة العربية، وتفكك المجتمع العربي، وتوق الإنسان للعدل، وخلقه لأسطورة البطل المخلص، ويضيف الحجاجي أن فن السيرة كان بمنزلة الأرضية المناسبة لإنبات فن المسرح، لأنها خلقت فن الممثل، ومهدت بذلك للفن المسرحي، إلا أن العرب المسلمين لم يعرفوا هذا اللون لعدم اكتمال العوامل، وهنا يعود الحجاجي إلى ما بدأ به العقاد، إذ يرى أن افتقاد حركة شعبية يقظة، بل مسيرة ديمقراطية قد أجّل نشوء المسرح العربي، لذا فقد ربط الحجاجي بين اكتمال هذه العوامل وظهور بدايات المسرح العربي الحديث في منتصف القرن التاسع عشر بمسرح مارون النقاش[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]- وإذا كان الحجاجي قد ركز على ضرورة توفر الجو الديمقراطي، فإن العقاد قد رأى أن نشوء المسرح في أمة ما مرهون بتوفر عوامل متعددة، وقد ربط في ذلك بين نشأة المسرح في اليونان القديم، والعوامل التي مهدت له فقال: أما انفراد اليونان بتجديد الفن المسرحي في الزمن القديم فله أكثر من سبب واحد، وقد نلخص جميعها في هذه الأسباب الثلاثة الآتية وهي:
[size=12]1- الشعائر الدينية.
[size=12]2- نشأة المجتمع الديمقراطي في المدينة.
[size=12]3- موافقة عصره الذهبي الذي ازدهرت فيه ملكات الأمة اليونانية)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]إذن لابد من توفر جو ملائم يتسم بشرط محددة لنشأة فن المسرحية في بلد ما، ولما لم تتوفر هذه الشروط في الأمة العربية فقد عدمنا نشأة هذا الفن.
[size=12]مما تقدم ذكره يمكننا القول: إنه لا ضيرَ في عدم نشأة الفن المسرحي في الحضارة العربية، بالمفهوم المتعارف عليه الآن. ولا عيبَ في ذلك لأن حضارتنا عوضت فن المسرح بظواهر فنية أخرى، اتفقت مع ثقافتها ونظرتها إلى الحياة والإنسان، وقدمت تصوراً للعالم ولمشكلاته بشكل يعبر عن أفكار الإنسان العربي وآماله وتطلعاته وقيمه ومعتقداته الخاصة.
[size=12]3- الرأي القائل بوجود مسرح عربي قديم:
[size=12]إن اغتراب المسرح العربي في العصر الحديث، وتمزق هويته، قضية أرقت بعض العاملين في المسرح، من كتاب ومنظرين. وفي مرحلة البحث عن حلول لهذه القضية، وبدافع من القومية العربية، وإثبات الذات، وتحديها لأمواج الحضارة الغربية، أبحر الدارسون في التراث العربي، وراحوا يلتقطون المحار المسرحية المتنوعة فيه، خصوصاً بعد أن أيقنوا أن المعيار الأوربي ليس مسلمة غير خاضعة للنقاش.
[size=12]ونقول: إن تعددية الصيغ المسرحية، وكثرة التعاريف التي ركز كل منها على عناصر محددة في العمل المسرحي، كانت الدافع الأول لهذا الاعتقاد، خصوصاً بعد أن استُخدم التراث كعامل من عوامل التأصيل، أضف إلى ذلك أن المضامين الأدبية في التراث، وطبيعة التركيب فيه، وتركيزه على عنصر القص، وشفافية الحوار، والقدرة على التصوير، كلها أمور أغرت الكاتب المسرحي، بالولوج فيه، ومحاولة استحداث فن جديد في الحضارة العربية. وقد أشار توفيق الحكيم إلى هذه الظاهرة عندما قال: إن طبيعة التركيب، والتركيز عند العرب منذ القدم في الشعر والفكر والبلاغة... هذه الطبيعة التي هي جوهر الفن المسرحي... تجعلني دائماً أعتقد أن السليقة العربية هي سليقة مسرحية... وإذا كانت ظروف مختلفة قد حالت دون تجسيد هذه السليقة بالطريقة المعروفة عند اليونان فإن ذلك لم يمنع من ظهور بوادرها في أشكال أخرى، فأنا كلما تصورت مشاهد رسالة الغفران للمعري، أو قرأت قطعاً من حوار في الأغاني أو للجاحظ، ورأيت ذلك البناء المحكم للصورة والعبارة، والإصابة المباشرة للمفصل، بلا لغو ولا فضول في التلوين السريع للشخصية أو العاطفة أو الفكاهة، أوقن وأشعر بالجذور العميقة الخفية لهذا الميل عندي إلى الفن المسرحي..)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]أ- مسرح عربي قديم:
[size=12]- يرى أصحاب هذا الاتجاه أنهلم تخلُ أمة من الأمم... من المسرح والتمثيل، مهما تكن ظروفها، والذي جرى أن أمماً قد طورت ظروفها الملائمة... ظواهرها المسرحية، وأن أمماً أخرى لم تستطع ذلك، غير أن التمثيل والمسرح كانا موجودين بوجود الإنسان وبوجود رغبته في الاحتفال والتقليد)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]- لكنهم أجمعوا على أنخيال الظل) ظاهرة مسرحية متطورة، بل مسرح عربي حقيقي، قد وجد في التراث ولمسرح خيال الظل نمطان يختلف أحدهما عن الآخر اختلافاً يسيراً، فأما أولهما، فهو عبارة عن منصة توضع قبالة رحبة من الرحبات، وتكون هذه الرحبة بمثابة مكان النظارة والمنصة بمثابة المسرح. ولكنه ليس مسرحاً يؤدي إلى ما وراءه من حجرات، وإنما تستعرضه شاشة بيضاء وراءها مصباح كبير من مصابيح الزيت، وبين المصباح والشاشة، رسوم من الجلد تتحرك على قضبان، فتظهر ظلال هذه الرسوم على الشاشة أمام الناس.
[size=12]أما النمط الثاني: فهو أكثر مرونة من الأول لأنه يستغني عن المصباح، ويستبدله بنار توقد من القطن والزيت، أما الرسوم فيحرك كلاً منها عودان من الخشب والرسوم هي أشخاص المسرحية بأسمائها وأخلاقها وأزيائها، ولكنها لا تقوم بذاتها، وإنما يحركها أفراد الفرقة، ويسبغون عليها الأوصاف، ويتحدثون على ألسنتها، ويستخلصون من العلاقات والأحداث العظة المطلوبة، وقد يتدخلون في سياق المسرحية سائلين أو مجيبين أو شارحين)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]- وتشير الدراسات إلى أن أول من اشتغل في هذا الفن هو شمس الدين محمد بن دانياليوسف الخزاعي) المولود عام 646هـ 1148م بأم الربيعين في الموصل، وقد هاجر إلى القاهرة في عصر الملك الظاهر بيبرس، بعد أن هجم التتر على المشرق، وكان في التاسعة عشرة من عمره، وفيها درس الطب، ثم اتخذ دكاناً يكحّل به الناس، فسمي الحكيم شمس الدين، وقد عاش ابن دانيال في الأوساط الشعبية، وذاع صيته، وأنفق كل ما يجمعه على الكيف والمجون، وتوفي في القاهرة عام 711هـ- 1211م وترك لنا كتابطيف الخيال) وفيه ثلاث مسرحيات هيطيف الخيال) وعجيب وغريب) والمقيم والضائع اليتيم)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]وفي ظل ما خلفه ابن دانيال من نصوص، واعتماداً على المشاهدة العينية لمعاصري خيال الظل في بداية هذا القرن، وعلى ما ذُكر من وصفٍ لهذا الفن في بطون كتب التاريخ، وكلام الرحالة الغربيين. قُدمت دراسات حاولت أن توفق بين الفن المسرحي، وخيال الظل، وبحثت في القضايا الفنية لهذا الفن وفي المضمون على السواء- وتعرضت إلى ما تركه خيال الظل من أثر في نفوس الشعب، واعتبرته فناً جماهيرياً شعبياً شارك المتلقي في صنعه، لأنه نبع من بيئته، وحمل خبراته، وعبَّر عن فكره.
[size=12]
[size=12]فمن الناحية الفنية، نلحظ أنعادل أبو شنب) قدم دراسة عن بابةالشحادون والحمام) وجد فيها أن خيال الظل العربي السوري قد توفر فيه النضج التكنيكي؛ إذ تميز الحوار بالقصر، ووزع على الشخصيات بشكل يعبر عن الأفكار، ويتناسب مع تطور النص، وتركيب الشخصية، وقد استهانت البابات بعنصري الزمان والمكان، كأحدث ما توصل إليه المسرح المعاصر[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
[size=12]وفي الدراسة التي قدمهاسلمان قطاية) عن خيال الظل في حلب مع فصل الحكيم وجد أن كل فصل من فصول البابات يبدأ بنغمة محددة، وهذا يزيده شبهاً بالمسرح العادي، لجذب انتباه المتفرج، إضافة إلى أن الحوار فيه سلس حوى مجموعة من الأمثال الشعبية، كما أنه اعتمد على المفارقات في المواقف، وفي اندفاع قطاية لإثبات أن خيال الظل مسرح حقيقي حاول تبرئته من الكلمات البذيئة التي توفرت في نصوصه، وعلل ذلك بأنه موجه إلى الذكور، وأن الجنس قد وجد في معظم المؤلفات القصصية العربية آنذاك[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] . ثم يمضي قطاية، فيروي بعض الأحداث التي جرت عند العرض، تثبت أن هذا الفن قد استخدم كأداة نقدٍ سياسية واجتماعية.
[size=12]- ويرى علي الراعي أنه سواء أكان العرب هم الذين اجتلبوا فن خيال الظل إلى حاضرة العباسيين، أم أنه انتقل إليهم، فلا شك هنا في أن هذا اللون من ألوان الملاهي، هو أرقى ما كان يعرض على العامة والخاصة من فنون، إلى جوار أنه مسرح في الشكل والمضمون معاً، لا يفصله عن المسرح المعروف إلا أن التمثيل فيه كان يتم بالوساطة عن طريق الصور يحركها اللاعبون ويتكلمون ويرقصون ويحاورون ويتعاركون ويتصالحون نيابة عنها جميعاً)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فالتمثيل في هذا الفن يقوم على مبدأ التشخيص لا الرواية، وهو فن موجه إلى الجمهور، توفرت فيه عناصر المادة المسرحية.
[size=12]أما على صعيد المضمون: فقد اهتم دارسو فن خيال الظل بإبراز القضية الاجتماعية، وركزوا على محاولة إبراز انعكاس الواقع السياسي والاجتماعي على بعض البابات، ففي الدراسة التي قدمهاعادل أبو شنب) تحدث عن الدور الفعّال الذي لعبه خيال الظل في التوعية والتعرية الاجتماعية، وإصراره على توصيل رسالة من خلال اهتمامه بالجمهور[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فمن قبيل ذلكإنه تهكم في شعره، بطريقة رمزية غير مباشرة، بما اتخذه الظاهر بيبرس من إجراء عنيف في مطاردة المتجّرين بالبغي والفجور، وتوفير أسباب الخلاعة للناس)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ، إضافة إلى النقد السياسي غير المباشر الذي قدمه في بابةالأمير وصال) وذلك عندما أشار إلى قدوم الأمير ابن العباس أحمد بن الخليفة الظاهر العباسي من بغداد.
[size=12]وقد كان فن خيال الظل مستهدفاً من قبل الحكام المتشددين لارتباطه بالنقد الاجتماعي، واهتمامه بعنصر التسلية، وقد استدل سلمان قطاية في دراسته لبابات خيال الظل في حلب من النقد الاجتماعي الوارد فيها على أنها من تأليف محلي، خصوصاً أنها أظهرت المستعمر العثماني كما يراه الرجل الشعبي في بلادنا.
[size=12]ويؤكد علي الراعي أن خيال الظل مسرح شعبي بالجمهور وللجمهور، وفن يمزج الحقيقة بالخيال، والجد بالهزل ويعتمد على أوسع قدر من مشاركات الناس فيه، بالمال والحضور والاستماع)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ، ويجد أن شخصياته ملتصقة بالواقع البعيد والقريب، فمن أم رشيد الخاطبة القوادة إلى الكاتب القبطي المدلس.. إلى الشاعر المزيف المتعاجب بالألفاظ الجوفاء...
[size=12]ولعل مظاهر الهزل والتهريج التي احتواها خيال الظل والقراقوز جعلت محمد مندور يستبعد انتماءهما إلى عالم المسرح أو الأدب التمثيلي، إذ يقول:
[size=12]إنه لمن التجاوز الكبير أن نعتبر بابات خيال الظل داخلة في فن الأدب التمثيلي أو في فن المسرح)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لأنها
الخميس مايو 26, 2011 2:12 am من طرف الكينج
» عزاء واجب
الخميس مايو 26, 2011 2:10 am من طرف الكينج
» * تستعد فرقه المسرحجيه لعرض مسرحيه طريق الخلاص اعداد واخراج عادل جمعه *
الأحد أبريل 03, 2011 12:47 am من طرف الكينج
» المخرج عادل جمعه
السبت أبريل 02, 2011 3:23 am من طرف الكينج
» لحظات فى عيون شهداء 25 يناير بقلم / حسين محمود
الأحد مارس 06, 2011 1:06 am من طرف الكينج
» سجين نفسى (( اهداء للصحافة الاعلام المصرى ))
الأحد مارس 06, 2011 1:04 am من طرف الكينج
» يوم الثورة
الأحد مارس 06, 2011 1:01 am من طرف الكينج
» .. الخلطة السرية للوصل الى الديمقراطية
الأحد مارس 06, 2011 12:59 am من طرف الكينج
» النقد المسرحى و مسرح الهواة
الأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:57 pm من طرف الكينج
» «مملكة النمل».. يكشف القضية الفلسطينية
الأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:50 pm من طرف الكينج
» مسرح الهواة.. الاستراتيجية والمنهج
الأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:47 pm من طرف الكينج
» الشافعي يعيد "جمال عبد الناصر" مع "عشاق النيل"!
الأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:42 pm من طرف الكينج
» حاليا على مسرح قصر ثقافة السلام
الأربعاء ديسمبر 22, 2010 12:14 am من طرف الكينج
» حصرياً - فيلم الكوميديا الرائع ( سمير وشهير وبهير ) نسخه جديده ts.hq أفضل وضوح - بحجم 200 ميجا - وعلى أكثر من سيرفر
الأربعاء نوفمبر 24, 2010 4:04 pm من طرف الكينج
» بإنفراد تام أسطورة الكوميديا عادل إمام فى فيلم العيد وقبل العيد زهايمير بجودة خرافية وتحميل مباشر على أكثر من سيرفر
الأربعاء نوفمبر 24, 2010 3:57 pm من طرف الكينج
» بإنفراد : نجم الكوميديا الأول أحمد حلمى و فيلم العيد الرهيب بلبل حيران . بجودة High CAM وتحميل مباشر على أكثر من سيرفر .
الأربعاء نوفمبر 24, 2010 3:54 pm من طرف الكينج
» حصريا .. أحدث ألعاب كرة القدم والتاكتيك . Fifa Manager 2011 بمساحة 2.4 جيجا فقط على أكثر من سيرفر
الأربعاء نوفمبر 24, 2010 3:49 pm من طرف الكينج
» لعبة المتعة والاثارة .. Creatures Exodus نسخة فل ريب بمساحة 170 ميج فقط ..
الأربعاء نوفمبر 24, 2010 3:46 pm من طرف الكينج
» لعبة الاكشن والمغامرات الرائعة :: Alien Breed 3 Descent Repack :: مضغوطة بحجم 353 ميجا فقط
الأربعاء نوفمبر 24, 2010 3:42 pm من طرف الكينج
» مسرح الهواة
الثلاثاء أكتوبر 05, 2010 12:59 am من طرف الكينج