بدايةً أود أن ألفت النظر إلى موضوع هذا البحث المختص، المبني على أسس فلسفية و رؤى بحثية تعالج الشأن المسرحي بالاستعانة بخبرات فلاسفة وباحثين معروفين وتجاريبهم من جانب؛ و تأسيسا على وجهة نظر الباحث وما تفرضه من مواقف بشأن ما أورده بعض الكتاب و النقاد من دراسات و بحوث تتعلق بصميم جهد الفنان المسرحي من جانب آخر.
في هذي القراءة البحثية تتم الإشارة إلى إشكالية العلاقة بين الجمهور و المسرح منذ بداية الوجود البشري و أداءات علاقته مع الطبيعة و البيئة بحدود ما حُكِم بمستويات الوعي و الفكر.. ومن أشكال التمظهر التي رصدها البحث ما ارتبط بفكرة الآلهة و أماكن العبادة وممارسة الطقوس ضمن التحولات التي جرت في طبيعة الإنسان ومكونات إدراكه ووعيه الأمر الذي كان يحاول التعبير عنه من خلال ثورات و انتفاضات عارمة شهد لها التاريخ القديم...
لقد لمع في الذهن البشري الوعي الذي حاول أن يقوم بتفسير ما كان يدور حوله من أمور طبيعية فيزيقية أو دنيوية وأخرى ميتافيزيقية انتسبت لخياله ومعطيات تفكيره من السحر مرورا بالأسطورة وليس انتهاء بالديانات.. كل ذلك في محاولات من الإنسان الأول للوصول إلى حال من الفهم لمفهوم الوجود البشري في هذا الكون و أسلوب توفير التعايش مع القضايا الخفية عليه...
وتم له في بعض أدائه المعرفي والتعبيري توظيف المسرح ما يسمح لنا بهذه الحال أن نقرأ تلك القضايا المتعلقة بالإنسان وجهوده داخل جغرافية الجمهور الذي كان له الدور الفعال في صيرورة المسرح الذي ما زال ينبض بالحياة حتى يومنا هذا.
ويمكننا البدء بالقول: إنّه لا يمكن أن نعرف المسرح من دون ممثل، كذلك لا يمكن أن نعرف المسرح من دون الجمهور، ذلك لأن الممثل والجمهور هما العمودان المؤسسان تاريخيا للمسرح ظاهرة فنية تعبيرية وفلسفية مضمونية، تنعكس في ارتباطتها وآليات اشتغالها من خلال الصالة و الخشبة...
ففي السابق أو في بدء التحضير لولادة الظاهرة المسرحية لم تكن الخشبة معروفة أو حتى الصالة، فكانت هناك ممارسات دينية لأجل الإله تطلبت أماكن خاصة للعبادة وممارسة الطقوس، حيث كان يلتقي الكهنة مع جمع الناس في المكان المخصص للاحتفال أو العبادة، وكان هناك تقسيم بين مكان الكهنة والإله من جهة و مكان المحتفلين أو المصلين من جهة أخرى.
وفي أعياد رأس السنة الجديدة عند العراقيين القدماء كانت هناك احتفالات متنوعة من الناحية الدينية والاجتماعية، بحيث كانوا يقومون بتمثيل [أسطورة الخليقة، حوادث من ملحمة كلكامش، موت وبعث مردوخ، تمثيل الزواج المقدس]، فضلا عن نزول عشتار إلى العالم السفلي وإقامة الطقوس الخاصة في فترة الاعتدال الخريفي(1)، وهذا ما أتاح واجب وجود مجموعة من الفعاليات التي تتضمن إجراء بعض التدريبات وتوزيع الأدوار وتحضيرات أماكن العرض[التمثيل] و أماكن الجمهور الأمر الذي يعدّ عنصرا أساسا لمكونات العرض، وقد أطلق العراقيون القدماء على المبنى الخاص أو المكان الطقسي، الذي عادة ما كان يقع خارج المدينة اسم [دار الاحتفالات/بيت اكيتو](2)، وشُـيـِّد هذا المبنى لغرض استخدامه لنوع خاص من الاحتفالات تختلف عن تلك التي تقام في المعابد أو في ساحات أخرى كبيرة في المدينة.
بيت أكيتو، ذاك، كان مخصصاً للحفلات التمثيلية حصرا، و الدليل على ذلك و جود ساحة تحيط بها مقاعد للجلوس، و وجود أشخاص يمثلون دور كلكامش و أنكيدو، وخمبابا... إلخ من شخوص الملحمة المعروفة. صحيح كان هذا الدار خارج المدينة لكنه لم يكن بعيدا عن المعبد، وذلك كي يذكر المتفرجين بقدسية المكان التي يجلسون فيه وكذلك كي لا ينسى المتفرج الأهمية الدينية أو الاجتماعية لهذه للمناسبات المحتفى بها هنا في المسرح خارج المعبد وجدرانه وسلطته(3) وهناك ما يدلنا على أن الجمهور يحضر إلى بيت أكيتو لأجل عرض خاص يتلقى فيه قصصا عن التاريخ وعن تجاريب تجيب بخصوص علاقته ببيئته من خلال هكذا نوع من الاحتفالات ذات الطابع الاجتماعي المختلط بقدسية الديني أو الطهري هذا من جانب، ومن جانب ثان جاء هنا ليعطي لنفسه قسطا من الراحة و المتعة، بعد إجهاد ما كان يقوم به طوال يومه وسنته من صيد و زراعة وجمع القوت وترويض الطبيعة الصعبة المتوحشة وكانت الاحتفال أو العرض بالنسبة له مجال للترفيه و الاستمتاع في بعض أبعاده.
أما في مصر الفرعونية(4) فلم تكن العلاقة بين المسرح والجمهور لتختلف كثيراً عن سليلتها في العراق، فنجد المسرح عند مصر الفروعونية عبارة عن ظاهرة احتفالية طقسية جماهيرية عامة، إذ تتم المشاركة بين جموع الناس والكهنة لاحتضان الطقس الديني بحيث تأخذ شكلاً تمثيلياً متنوعأ بالرقص الديني والدنيوي، و الغناء و الموسيقا التي تتضمن الايقاع، وفي هذه الفعاليات كانت هناك مشاركة من قبل الجمهور في أداء الفعل المسرحي بشكل حي و فعال، وكان معظم المشاركين من الذكور..
وتختلف الظاهرة المسرحية هنا نسبيا من حيث الأداء و المهام و الدور في أثناء تقديم العرض الذي كان يبدأ من المعبد و ينتهي بالمقابرعلى الشاطيء الغربي للنيل مروراً بالشوارع و الساحات، فكان يقدم في الساحات وعلى مقربة من المعابد مسرحيات التتويج(5)، وكان انفعال الجمهور واضحأ مع تلك العروض خاصة حيث يظهر التأثر حزنا عندما ينتصر الشر على الخير، والتأثر فرحا ومسرات عندما ينتصر الخير وكان هذا عصب الدراما عند الجمهور، الأمر الذي يبرز آثار التطهير في نفوسهم في أثناء العرض وبعده.
أما الجمهور والمسرح الإغريقي فقد اختلف كثيراً عما هو موجود في العراق السومري ومصر الفرعونية، فكانت أيضا هناك احتفالات و طقوس ديونوزوسية أو باخوسية(6)، تلك التي كانت كذلك عبارة عن احتفالات دينية تتأقلم و تنسجم مع عقيدة اليوناني القديم المقدمة للآلهة ديونيسوس عبر شعائر العبادة ومن ثم تحويلها إلى تمثيلية طقسية تنشدها الجوقة تكريما لديونيسوس حيث كان الموت والبعث موضوع احتفال و تفاؤل يؤخذ به على وفق إيقاع فصلي ينطلق من الشتاء و الربيع ومن جني العنب وموت النبات إلى تجسيد الحياة و الخصب فيه بقوة الشمس.
والمسرح الإغريقي لم يكن في بداياته مستقلاً عن المعبد، حيث كان المسرح بجوار معبد ديونيسوس(7)، ليذكر المتفرجين بأهمية هذا المكان المقدس وألا ينسوا أيضاً أهميته الدينية، وقد رافق الإمتاع الجمهور الإغريقي نحو التطهير ثم تلازمت التسلية مع الفائدة، لنقل خبرة إنسانية هادفة في إطار فني، الغاية منها تعميق و تطوير نظرة الإنسان إلى الواقع و معطيات الوجود، والسعي والمحاولة إلى تغييره، وذلك عبر تغير الذات بفعل المسرح و فنونه و وجود جمهور يواكب العرض منذ بدايته و حتى نهايته.
إن العنصر الدينى كان واضحاً في أذهان الجمهور الإغريقي، وكان للكهنة مكان مهم و بارز في المسرح ممثلا في معبد ديونيسوس، لذا كانت حبكة المسرحية تحتوي دائماً على عقدة دينية مألوفة، لاسيما ظهور الآلهة على خشبة المسرح، التي كانت موضوع معظم المآسي.. وكما نلمسها في مسرحيات أسخيلوس ذات الطابع الديني، ففي هذا النوع من المسرحيات لم يكن الجمهور ضعيفا أو لا يمتلك ذائقة فنية، بل كان له بعد نقدي وجمالي، فالممثل السيء كان يقابل تمثيله في بعض الأحيان بالصفير والرجم بالحجارة حتى يخرج من المسرح، وكانت هناك علامة لاستياء الجمهور الأثيني التي تتمثل بضربهم بكعوب نعالهم الجزء الأمامي من المقاعد الحجرية(، ولو ضرب ثلاثين ألف نعل بهذه الطريقة لأحدث خلخلة في أذني الممثل ما يؤدي إلى الخطأ في أثناء قيامه بالدور، ولذا من الأفضل له أن يترك المسرح، وهذا دليل على أن المتلقي الإغريقي كان يمتلك ذائقة فنية وجمالية بحيث يستطيع أن يميز بين الممثل الجيد و الممثل الردئ.. وهذا يعني أن المتلقي الإغريقي كان ينتج المعنى وكان له تصوراته الخاصة وله خبرة في ميدان التمثيل والنصوص الشعرية.
ولا ننسى أن المسرح الإغريقي هو بداية لجمهور فعلي حيث برز وتميز برأي نقدي وإن جاء عفويا وبسليقة الذائقة وما يمتلك من تصورات بشأن التعبير الجمالي وبعامة فقد كان الجمهور من نوع خاص بالتحديد في أثناء مسابقات المسرحيات الدرامية التي كان يقدم فيها ثلاثة أعمال تراجيدية و واحدة ساتورية ويعقبها تقديم الهدايا أو وسام شرف للفائز بمثل هذه المسابقة.
ولو انتقلنا انتقالة سريعة إلى جمهور المسرح في العصر الأليزابثي الذين كانوا متأثرين في ما يكتبه الكتاب من مسرحيات مختلفة عن مسرحيات الإغريق، فإنّنا سنلاحظ اختلافا في ذائقة الجمهور عن جماهير المسارح الأخرى، لتغير المرحلة والظروف ومستويات وعي الظاهرة جماليا مضمونيا. وكان من أبرز خصائص هذا الجمهور هو تعطشه الشديد للمسرحيات. فقد تم بناء أربعة عشر مسرحاً في ذلك العصر (9) في مدينة يترواح عدد سكانها ما بين مائة ألف ومائة وخمسين ألف نسمة. إن إجمالي عدد المسارح يبلغ خمسة أو ستة أضعاف في أحدث المدن والتي كانت من نفس الحجم.
في العصر الأليزابثي لم يكن هناك جمهور من المتفرجين يمثل جميع طبقات المجتمع في حضوره الدائم، مثل هذا الجمهور، ولكن يمكن أن نستثني الجمهور الأثني من هذه المقارنة. فلقد توافد الجمهور اللندني بشكل كبير إلى مسرح شكسبير والذي كان يضم [النبلاء/المتسولين/نساء البلاط الملكي/البغايا/الجنود/الشعراء، وحتى تلاميذ الحرف الذين يسرقون الوقت من سيدهم ويذهبون لمشاهدة المسرحية]، ويدل هذا على أن المسرح بالفعل هو ظاهرة إنسانية اجتماعية مشتركة بين الجميع تلزمنا بعلاقة بين المسرح وجمهوره.
ومثل هذا الجمهور المتنوع في الثقافات و الأيديولوجيات يجعل ويطلب من الكاتب المسرحي خطابات مختلفة في مسرحية واحدة، كأن يتضمن الشعر أو المشاهد الهزلية أو الرومانسية أو مشاهد تتعلق بمصير البطل كما في مسرحيات شكسبير... و إلخ من أمور تتعلق بجمهور ذي ثقافات مختلفة.
إن من إحدى مطالب الجمهور الأليزابثي هو الحدث المقدم في إطار المآسي التاريخية(10) حتى ولو كان في إطار مسرحية جديدة الطراز، ومطلب آخر لهذا الجمهور يتضمن المواقف والمشاهد الهزلية في المسرحية، فإذا لم يتم ذلك فان الجمهور يغضب، بطريقة السخرية أو التصفير و قذف قشور الجوز على شباك التذاكر، كما حصل عند تعرض مسرح جلوب أو مسرح فورتشون لهذه الحال وهذا التفاعل الاحتجاجي.
ومن طقوس أو أجواء الجمهور الأليزابثي في أثناء ذهابهم لمشاهدة مسرحية هو الاهتمام بالملابس الفخمة التي يستخدم فيها الحرير الغالي الثمن، وكان عندهم ولع بالألوان والاستعراض وكان هذا الطقس موجودا عند كلا الجنسين، وانعكس هذا الذوق في الملابس و الألوان على المسرح الأليزابثي، ما أدى بمن عُني بالاخراح المسرحي لأن يدفع أثماناً باهضة للخياط من أجل خياطة بدلة ذات مستوى رفيع للبطل(11)، وهذا يعني إشارة واضحة لأثر أو دور الجمهور في توجيه أحد مكونات العرض المسرحي وليجعل الاخراج يواكب ذائقة وأسلوب المتفرج في أبعد الأشياء تفصيلا، كما هو الحال مع الملابس والأزياء.
أما فيما يخص جمهور المأساة الكلاسية الجديدة في فرنسا وفي عهد لويس الرابع عشر الذي كان يلقب بملك الشمس، فكان هذا الجمهور يفوق الجمهور الحديث المتوسط في تطلعه الفكري وفي عربدته معاً، ما أدى عند هذا الجمهور إلى التشبع في وصف التحليلات الدقيقة لمشاكل السلوك البشري أو في تنحية وتوجيه الحالات العاطفية في المسرحية الكلاسية الجديدة وكان له رؤية حول المفهوم الاجتماعي للملهاة كما تجسدعند مولير غذا ما أردنا متابعة ملموسة(12).
إن العربدة من طرف الجمهور وعدم السماح لهم بالدخول إلى المسرح كانت تؤدي إلى خلق جو من الاضطرابات الشديدة في المسارح، ما تطلب أحيانا إلى استخدام القسوة والضرب الشديد ووصل في بعض الاحيان الإخرى إلى الطعن بالسكين أو الرمي بالرصاص من قبل النبلاء أو الضباط في أثناء تأديتهم الواجب(13).. ويدل هذا على مدى تعطش الجمهور للعرض المسرحي، وقد عدّ جمهور المسرح الملكي ذاك جمهورا غير مؤدب.
ومعظم الجمهور في المسرح الكلاسي الجديد في فرنسا كان يتألف من مواطني باريـس، وهم من طبقة متوسطة و ميسورة الحال، وكانوا يهتمون بالمسرح و المتعة المسرحية، و أدى هذا الاهتمام لدعم ست فرق مسرحية مختلفة عام 1661 تقدم كل واحدة منها ثلاثة أو أربعة عروض بعد الظهر من كل أسبوع(14)، وهذا ما استفاد منه كتاب المسرح واستثمروه.
إن ذوق هذا الجمهور لم يكن محصورأ في شكل واحد من الأشكال المسرحية، حيث هو الذي رأى لأول مرة مآسي كورنيه و راسـين، و أروع ملاهي موليير وفرقته المسرحية، وإن أرقى المتفرجين في تاريخ المسرحية و المسارح، هو الجمهور الأثني بالدرجة الأولى ومن ثم جمهور لندن في أثناء العهد الأليزابثي و عهد جيمس الأول ومن ثم الجمهور الباريسي في عهد لويس الرابع عشر(15).
هناك كثير من المتفرجين في التاريخ المسرحي ضمن العصر الذي عاشوا وتربوا فيه أصبح لديهم الذائقة والفهم الخاص للمسرحية، بحيث في كل عصر نجد جمهورا خاصا به وبتأثيراته، وهذا يعني ذائقة مختلفة لكل عصر وبطبيعة الحال فهذا الكلام منطقي جداً من وجهة نظري، و الأهم من كل ذلك السلوك و الوعي عند المتفرج أو المتلقي في كل عصر وأسلوب أو كيفية تلقيه المعنى ومشاركته في العرض المسرحي أو تأثير الكاتب الدرامي بالمتلقي كما هو الحال عند العصر الأليزابثي، ما يؤدي إلى وجود علاقة جدلية بين الفنان المسرحي و الجمهور، وباعتقادي فإن النص المسرحي يكتب في ضوء الجمهور المسرحي وأثره وبالارتباط بما يتعلق بالعصر الذي يعيشه فضلا عن بعض الفنتازيا...الذي يكون يتحدد ايضا بمفاهيم العصر، كيما يستطيع المتلقي الوصول إلى معنى وتفسيره للعرض الذي شاهده طوال العرض المسرحي.
إن ذائقة المتلقي تعتمد على البيئة و العمق التاريخي من طرف وعلى الخلفية الثقافية و المعرفية من طرف آخر وهما اللذان يكونان الوعي الإنساني "للمتلقي" وهذا يعتمد على نتائج بحث مجموعة دراسات تحليلية فلسفية تطبيقية، فمثل هذه الدراسات تكتشف دور المتفرج/المتلقي وطبيعته وعلاقته بالحدث المسرحي التي تعيِّن أو تشترط حدود العرض المسرحي، و كذلك لغة النص الأدبي(الدرامي) في نطاق العرض أو لغة نص العرض، التي تقع على عاتق المخرج بالدرجة الأولى وبخلفية تعود إلى المؤلف و يليهما الممثل الذي يحمل هذا الخطاب للمتلقي. يقول أ.د. فوزي فهمي حول المخرج ودوره في العرض المسرحي على [إن بروز دور المخرج و النظر إلى العرض باعتباره [كذا] الحيز الفعلي الذي يظهر فيه المعنى وليس مجرد ترجمة أو زخرفة للنص، ليس إلا مرحلة أولية في تطور فن المسرح يمكن تسميتها التحرر المطرد لعناصر العرض المسرحي](16).
إن الحيز الفعلي الذي يتكلم عنه الدكتور فهمي يعتمد على نظرية الإرسال والتلقي اللتان تعتمدان على وجود طرفين الأول هو الفنان المسرحي(الممثل/المخرج/المؤلف/السينوغراف) إذ لكل واحد منهم أسلوب خاص والثاني هو المتفاعل و الذي له أسلوبه الخاص في فهم رسالة ولغة المرسل، حيث أن دور الفنان المسرحي يعتمد على نقاط جوهرية تتمثل بالتجسيد على الخشبة ضمن الفضاء المسرحي ودلالاته، كذلك قدرة التخيل لدى الفنان المسرحي الذي يساعده على توسيع ذاكرته الانفعالية، وأخيرا التعبير عن أيديولوجية النص الذي يصب في ذهن المتلقي الذي يبحث عن تفسيرات و معاني عديدة، وهذه النقاط تصب كلها في العرض المسرحي الذي يتناول موضوعة أو فكرة ما، والذي يكون العلاقة بين المرسل(الفنان المسرحي) و المتلقي(الجمهور/المتفاعل).
أما دور المتلقي(المتفاعل) فهو تفسير الإشارات و الشفرات التي يبعثها المرسل من خلال ما يجسده الممثل على الخشبة، ثم يقوم المتفاعل بتفكيك الإشارات أو الرموز باحثاً عن معنى. وبرأي الباحث هنا فإن العلاقة بين المرسل و المتلقي تعتمد على التأويل و التفسير، حيث أن التأويل عائد للفنان المسرحي وخاصة المخرج. ويعدّ التأويل جزءا مهما من العملية الإخراجية و الذي يعبر عن رؤية المخرج للنص وأسلوب العرض، وهو أيضاً الجزء من عمل الممثل في إعداد الدور و تفسير الشخصية لأجل تشخيصها.
إن الوظيفة الأساس للتأويل تصب في عملية التلقي وتلقي المتفرج للعرض المسرحي، خاصة أن العرض المسرحي متكون من مجموعة نظم علاماتية دلالية، وهذه الأنظمة تعتمد على الفضاءات المفتوحة فتأخذ فكر و ذهن المتلقي إلى عالم خارج المسرح مرتبطة بالواقع المعاش والحالات النفسية و الاجتماعية و السياسية.....إلخ، وهذا يعتمد على مدى ثقافة المتلقي وخلفيته التاريخية.
المتلقي ينتظر ما يقدمه له العرض المسرحي، حيث تتدخل عمليات عديدة مثل الإدراك و الإحساس ومن ثم المعنى والخزن في ذاكرة المتلقي، المتأثرة بالجو العام للمسرحية من خلال اللغة التي تكون إحدى وسائل الاتصال بين المرسل و المتلقي بحيث يكون لها طابع اختزالي مكثف .
إن تنظيرات السيميولوجيا حسب قول باتريـس بافيس تنطبق أساسا على اللغة وذلك لتأثرها البالغ بالبنيوية، التي تسعى إلى توصيف الوحدات الأساس التي تكوِّن نصا ما و التي تكون ضمن مجموعة تحاليل لتنظيم هرمية العرض المسرحي المتمثلة بوحدة الزمان و المكان المتطورة على يد مبدعيه، وحيث المتفرج يتجاهل بنية هذه الهرمية على الرغم من أنه الشخص الوحيد القادر على إدراك البنية الهرمية و عملية إنتاج المعنى و إرساله.
إن الفنان المسرحي هو الذي يجعل المتفرج يفكر بالمعنى و يدفعه كي ينهض بتفسيره، ذلك لأن دور الإرسال يقع بشكل كبير على عاتق الفنان المسرحي الذي يدير اللعبة ضمن لغة خاصة تحتوي على مجموعة نسق دلالية مركبة في فضاء العرض، وهذا الذي يشكل جدلية العلاقة بين المرسل و المتلقي، وإن المتلقي له جزء قليل لإرسال المعنى وذلك من خلال ردود أفعاله في أثناء العرض المسرحي.
ففي التلفظ المسرحي تتداخل كل العناصر المسرحية و الدراماتورجية التي تساعد على إنتاج المعنى و التلقي، حيث يقول (دوكرو)(17) في التعبير المسرحي و توزيع الأدوار (العلاقة بين المسرح وعلم اللغويات "الخطاب" في الاتجاه المعاكس لتصف استخدام الكلام) وفي الإخراج يقول (الحاجة إلى ماهية المتحدث و المخاطب واعتبار [كذا] الإخراج الدرامي تلفظا مسرحياً شاملاً)، في طبيعة الحال إن الخطاب موجه إلى فرد أو مجموعة ، فمن خلال تفسير نبرات المرسل وحركات جسده (الوجه بالتحديد) يتم تحديد شكل الخطاب فمثلاً أن اقول أين محمد؟ فيمكن قول هذه العبارة التساؤلية بأساليب متعددة في أثناء الخطاب أما بصيغة الترجي أو الأمر أو الاستخفاف....إلخ، ويمكن توظيف عبارة أين محمد بأساليب عديدة ومختلفة كما نلاحظها في فلم الرسالة للمخرج مصطفى العقاد، وعلى المتلقي تفسير العبارة وذلك عبر المشاهد و ربط الأحداث بعضها مع بعض.
إن المثال أعلاه الذي ذكرته يقع ضمن التداولية والتي تعد من أحدث الاتجاهات المتعلقة بدراسة الأدب و الظواهر النفسية بصفة عامة، حيث أن التدوالية تجمع بين مجالات عديدة تتشابك مع بعضها مثل نظرية أفعال الكلام والتي تقوم حسب رأي أرسطو على كل جملة ذات دلالة، أما الفيلسوف الألماني توماس رايد فيطرحها على شكل مجموعة عمليات اجتماعية أو أفعال اجتماعية، وهناك تحليلات و آراء مختلقة حول نظرية الأفعال وأهمها كتاب بوهلر(نظرية اللغة) الذي يسلط الضوء على الوظائف المتعددة للغة منها التمثيل/التعبير/الابتداء(18).
ونظرية التخيل هي الأخرى تقع ضمن التدوالية، كذلك قواعد المحادثة و الحوار التي تستند على المتلقي المستمع المتلقي. أما في المسرح فإن مفهوم التداولية تختلف عما يدرجها اللغويون ضمن تخصصات علم الدلالة مثل(الإحالة و الصيغة ......الخ)، ففي المسرح يكون فهم التدوالية على أنها تحليل الخطاب الدرامي من خلال دراسة معنى و استخدام مفردات الحوار ودراسة ماهية و أسلوب المتحدث أو المخاطب، و للتداولية استخدامات عديدة ضمن البيئة المسرحية* ، آخذةً بنظر الاعتبار النص و طريقة استخدامه و الأفعال المنجزة من خلال النص، واصفا الدراما بأنها جنس أدبي مدروس ضمن معايير نصية متفق عليها مثل الحوار و استخدام ضمير المتكلمين من طرف المتحدثين، كذلك الصراعات المبنية على تصرفات الشخصيات و تطور الفعل الدرامي
إن ما يتعلق بنظرية الإرسال و التلقي كاتجاه جديد في المسرح تقع ضمن قراءات و تطبيقات أدبية فلسفية ومصادرها من جهة و أيديولوجيات مختلفة من جهة أخرى التي تشمل مواضيع عديدة و مختلفة منها ما يتعلق ببنيوية اللغة و الهيكل الدرامي من ناحية التجسيد على الخشبة وإظهار القيم الجمالية لفعل التلقي أو الإرسال ومدى فاعليتها من حيث العلاقة بين النص الدرامي و نص العرض، كذلك رصد وظيفة الدلالات و العلامات داخل العرض المسرحي الذي يتم من خلال الناقد المسرحي و ليس المتلقي العادي في أغلب الأحيان ، حيث أن المتلقي العادي يأتي لمشاهدة العرض المسرحي لمجرد الترفيه أو التعليم أو المتعة.....إلخ، أما بالنسبة للناقد المسرحي فيختلف وجوده في العرض المسرحي و الذي يقوم بتحليل و تفسير النص من جهة وكذلك البحث عن بدائل للفنان المسرحي في حالة وجود خلل في العرض المسرحي أو هو يبحث بشتى الوسائل عن الخلل في الخطة الاخراجية أو أداء الممثل على الخشبة أو نص المؤلف ، ولكن كل هذه الأمور تحصل ضمن إطار فني جمالي لا يمكن الناقد المسرحي تجاوزه، من حيث أن يضع العمل المسرحي لموقف معين بكل ما بذل من جهود و طاقات الى خانة النقد التقني أو الأيديولوجي.
يقول باتريس بافيس(19) (إن درجة إنقرائية** النص وتوجيه القارئ للنص يعتمدان بدرجة كبيرة على معرفة هذا القارئ بالمعايير الأدبية و الاجتماعية)، ولكن ألا تدل هذه الجملة على بحث عن قارئ خاص له خلفية أدبية ثقافية عالية يختلف عن القارئ ذي الإمكانات المحدودة أو الذي يجهل القراءة ؟ ثم ان مفهوم الانقرائية لها محل ضمن السياق الأدبي للنص ويختفي أثرها حالما يتجسد النص على الخشبة، وخاصة عندما تكون المشاهد الأدبية تترجم إلى مشاهد بصرية (أي لغة درامية بصرية) يخفي فيها آثار القارئ و تظهر آثار المتفاعل الذي يشمل جمهورين لهما خلفية ثقافية عالية وجمهور ذات الامكانيات المحدودة...... ففي مسرحية الفنان قاسم محمد (بغداد الأزل بين الجد و الهزل) يتم المشاركة بين نوعين من الجمهور الذي ذكرته، حيث يخرج النص الأدبي من طوعية الكاتب المؤلف ويدخل النص إلى طوعية المخرج المعد على شكل نص العرض وما يحتوي من مشاهد بصرية تجسد بوساطة (وعبر) الفنان المسرحي بحيث تكون عملية الإرسال و التلقي على شكل ذبذبات متبادلة بين المتفاعل و الممثل.
إذن الإرسال و التلقي يتعلق بمجموعة تطبيقات عملية و نظريات و أيديولوجيات ومجموعة من الأبحاث ضمن دراسة مستقلة تتعلق بجمالية العرض المسرحي و تكويناتها بكل نواحيها التي تتعلق بجمالية الإرسال عند المخرج و جمالية التلقي عند الجمهور الذي يكون ضمن فعل المشاهدة لتحقيق حركة المتلقي و كذلك تفعيل التخيل و البعد الأيديولوجي عند المتلقي من خلال بنية الأفعال اللغوية و أفعال الكلام لصنع خطاب جديد ، بحيث تؤدي إلى قراءة جماعية لها عمق تاريخي و فهم للحاضر و رصد المستقبل، حيث يتم فيها توازن بين العرض و التلقي وكذلك إنتاج معنى للمتلقي/المتفاعل.
يحلل الدكتور فهمي نظرية الهرمنيوطيقيا(20) بمعناها الحديث ويحددها على أنها: نظرية لتأويل رموز لغة أدبية لعناصر ثقافة ما، وبناء شكل العلاقة بين النص و المرجعية، معبرا عنها على شكل معطيات غير اللغوية للخطابات بشروط القراءة و الانتاج مستخدماً سياق سوسيوـــ تاريخي الذي يدرجه ضمن سياق الفهم في محاولة استخلاص معنى متجدد والهدف منها إعادة بناء تصور الأشياء، و إنتاج رؤية للعالم، ويصل إلى فهم قراءة عالمة ترفض[النمذجة] و تحرر الإبداع و النقد من أوهام الحقيقة. وبرأي هذا التحليل، بحسب الدكتور فهمي، الأمر موجه إلى العالم الديني و الإسلامي على وجه التحديد لأولئك الذين يرفضون القراءة التحليلية للكتب السماوية المقدسة و محاولة إنتاج المعنى من جديد على يد فلاسفة و علماء مختصين في هذا المجال، وليس على يد رجال الدين الذين يترجمون النص المقدس ضمن رؤية دينية متعلقة بالفنتازيا و اللاهوت.
إن المنهج الهرمنيوطيقي يتعلق في طرق التفسير المخصوصة بمجال العلوم الإنسانية و الاجتماعية ، ويعد هذا المنهج بمثابة ما بعد الحداثة، على الرغم من أنها ارتبطت بأساليب التفسير الفنية للكتب الدينية أو شرح صفحات منفردة من الإنجيل و الكتب المقدسة و الكتب الكلاسيكة، إلا أنه أخذ مجالا أوسع للعلوم الاجتماعية وإتاحة الفرصة للمسرح من خلال تطوير الفلسفة والأنثروبولوجيا(علم الإنسان)...
ففي الاتجاه الادراكي لتطبيقات العلوم و الفنون يقول إيلينور شافر: (إن الإنجيل ليس نصا منزلا أو موحى به بصورة فريدة ، بل انه ذاته نص له طابع أدبي) فالانجيل و الكتب المقدسة للأديان هي نص أدبي ضمن طقوس وتراتيل دينية غير مفسرة طالما ظلت أسيرة الطقوس هذه، لذا نرى في المسرح تفسيرات و تأويلات لهذه النصوص بلغة دلالية مكثقة ترتبط بالدراما كوسيلة للتفسير و\أو التأويل، وخاصة أن علم الهرمنيوطيقا هو ذلك العلم الذي يسمح بإيضاح الأمور الغامضة المخفية تحت عباءة الدين و التاريخ ، ثم يعمل هذا المنهج على تحديد و تفسير معنى جديد للنصوص القديمة ضمن سياق أدبي جمالي رفيع، والذي بنظري يحتاج إلى جرأة عالية من قبل الباحث، بشكل عام إن الهرمنيوطيقا هي دراسة لتاريخ الأفكار والحالات الاجتماعية و الانسانية و الانتقال من نمط تفكيري إلى نمط آخر مختلف نوعيا.
لقد قدم هيردر(21)الذي هو أحد أعلام التنوير في ألمانيا، تفسيرات و مبررات جديدة لبعض النصوص الشكسبيرية(مسرحية الملك لير)، وكما نقد بشكل جديد روح العصر و الذي يفكر بإعادة الصياغة التاريخية الجديدة بحيث يكون مفهوماً للقارىء الحديث(الجيل الحديث). أما محاولات فريدريك شيللر فهي أيضا تقع ضمن تفسيرات جديدة للكتب الدينية و الميثيولوجيات، أي أن جميع الفلاسفة و الكتاب كانوا يحاولون أن يجدوا تفسيرات و مبررات جديدة تلائم العصر الذي يعيشون فيه وكانت هناك أيضا بعض الرؤى المستقبلية للمجتمع الإنساني في أوروبا وهذا ما أدى إلى التقدم الثقافي في البلدان الأوروبية، على عكس البلدان الشرقية(العربية) فمن الصعب التكلم عن الهرمنيوطيقا في إطار الحديث في النص القرآني وتفسير معاني الكلمات و القصدية من لغة القرآن على وفق هذا العلم.
الهرمنيوطيقا هي في الخلاصة شكل من بناء النص و هدمه وبنائه من جديد ضمن سياق تاريخي فلسفي أدبي ومفهوم العصر الحديث، هو علم لتأويل النص وفهمه، ولقد ركز فيلهيلم ديلثي على البعد التاريخي لتفسير المفاهيم الإنسانية و الاجتماعية المعاشة، ولكن الظن أنه يمكن أن يكون قد نسى البعد النفسي و البعد الطبيعي، وهذان البعدان مرتبطان ارتبطاً وثيقاً بالخيال و كذلك تفسيره للخيال في حقبة زمنية ما، كان فيها الوعي البشري في مستوى بسيط من اللغة و الفكر، وحيث الفن حسب قول استانسلافسكي "هو نتاج الخيال كما ينبغي أن يكون عمل كل كاتب مسرحي ، وينبغي أن يحصر هدف الممثل في استخدامه مهارته الفنية لتحويل الرؤية الى واقع مسرحي"(22)
إن ما أشير إليه من خلال هذه المقولة هو مفهوم الفن بجميع أشكاله وخاصة فن الكتابة المسرحية ضمن السياق التاريخي ويجب ربطها بالبعدين النفسي و الطبيعي ومن ثم ربطها بعلم الهرمنيوطيقي الذي له منحى تأويلي وربطها بالواقع مسرحي.
يذكر إيلينور عن تجربة ديلثي في مجال الهرمنيوطيقا "أن كل مواقف الحياة إذا فهمنا طبيعته فهماً تاماً، يماثل شكلا من الأشكال الفنية. وقد عرف هذا بأنه الصيغة الكامنة في العقل". لكنني أرى بأن هذه المواقف الحياتية تساق ضمن المحاكاة للكلمة/الظرف التاريخي/ للانسان نفسه الذي يعبر عن الاحداث الكبرى ضمن واقع تاريخي معاش،وهذا الواقع تكتشف من خلال تجارب و تحاليل وبحوث،مما يؤدي الى المفهوم الدرامي و البنية الدرامية من خلال الواقع المعاش.
إن الدراما في المسرح هي ذلك الفعل الذي يمكن له تجميع الماضي بالحاضر وبالرؤية المستقبلية في لحظة معينة عبر الأحداث و الصراعات، فيرى هيجل(23) أن اشكال الوعي هو الذي يسيطر على الدراما في الأدب الحديث من خلال منظور تاريخي يصور التتابع الديناميكي لأشكال الوعي، ويرى جورج لوكاش(24) بأن تاريخ الدراما الحديث بالتفصيل في ضوء المبدأ التفسيري الذي نادى به ديلثي، وهو أن الإنسان يعرف نفسه من خلال التاريخ و ليس من خلال الغوص في أعماق ذاته، كما يرى ريموند ويليامز (25)في المأساة الحديثة (إن الأزمة الأعمق في الأدب الحديث هي تقسيم التجربة على فئتين، اجتماعية و شخصية. ///فالمأساة الاجتماعية يتحطم فيها الناس بفعل القوة والفاقة، وتدمر فيها حضارة أو تدمر نفسها، وهناك المأساة الشخصية: حيث يعاني الرجال و النساء ويتدمرون من خلال علاقتهم الأكثر حميمية، ويدرك المرء مصيره في مجتمع بارد حيث الموت و العزلة الروحية المطلقة أشكال بداية للمعاناة و البطولة).
ولذا نرى آراء و أفكار يبدو كأنها جديدة ، ولكن هي في الأصل موجودة ضمن الوجود البشري في الكون، لكن العملية البحثية و التفسيرية والتأويلية لرسم الأشكال الأدبية هي التي نضَّجت هذه الأفكار من خلال الوعي البشري ضمن دراسة خاصة تسمى الهرمنيوطيقا التي يعرفها شافر (بأنها ذلك العلم الذي يسمح بإيضاح الأمور الغامضة و إزالة التشويهات التي قد تنجم عن تقادم العهد بعبارة ما قيلت في الماضي) وهذا التعريف أثبت صوابه حتى اليوم.
ورداً على فكرة تيرنر(26) عن أنثروبولوجيا العرض على أنها جزءا من أنماط العروض الثقافية* تشمل الطقوس و الاحتفالات، و الكرنفالات، والمسرح و الشعر. فأولا إن المسرح و الدراما لا يقعان في خانة الطقوس و الاحتفالات الدينية، وثانياً إن الطقوس و الاحتفالات و الكرنفالات لها طابع ديني أكثر مما هو ثقافي، والطقوس الدينية المعادة في كل سنة هي مكررة ولا تضيف شيئاً من الثقافة للمتلقي المثقف و حتى غير المثقف، إذا كان ضمن مجتمع مسيحي أو إسلامي أو أي دين لمجتمع آخر.
أما لو أردنا الحديث عن العروض الثقافية، فهي تلك العروض التي تتمثل بالإبداع وخلق كل ما هو جديد، وغير متعارف عليه من قبل، ومن ثم نتثقف من خلال هكذا نوع من العروض يمكننا التسلح بالثقافة، كما نستطيع القول إنه يمكن توظيف الطقوس و الاحتفالات ضمن الدراما و المسرح ولكن ان وضعنا في العرض قيما جمالية تظيف شيئا جديد للمتلقي على أن نتحرر من شكلها الطقوسي و الكرنفالي.
ولذا أرى أن الهرمنيوطيقا تظل ذلك العلم الذي يتحمل المزيد من البحث و القراءة في مجال العلوم الإنسانية و الاجتماعية. وفي نهاية بحثي الموجز أقول إنني حاولت إضافة شيء للمسرح وللدراسة المسرحية ضمن رؤى و أفكار قد تتفق أو تختلف مع القارئ ، و لربما فاتتني قضايا لم أتطرق إليها بما ينضج ويستكمل جهدي المتواضع بسبب عدم توافر المصادر العربية الكافية هنا في بلدان المهجر ولأسباب أخرى متنوعة
في هذي القراءة البحثية تتم الإشارة إلى إشكالية العلاقة بين الجمهور و المسرح منذ بداية الوجود البشري و أداءات علاقته مع الطبيعة و البيئة بحدود ما حُكِم بمستويات الوعي و الفكر.. ومن أشكال التمظهر التي رصدها البحث ما ارتبط بفكرة الآلهة و أماكن العبادة وممارسة الطقوس ضمن التحولات التي جرت في طبيعة الإنسان ومكونات إدراكه ووعيه الأمر الذي كان يحاول التعبير عنه من خلال ثورات و انتفاضات عارمة شهد لها التاريخ القديم...
لقد لمع في الذهن البشري الوعي الذي حاول أن يقوم بتفسير ما كان يدور حوله من أمور طبيعية فيزيقية أو دنيوية وأخرى ميتافيزيقية انتسبت لخياله ومعطيات تفكيره من السحر مرورا بالأسطورة وليس انتهاء بالديانات.. كل ذلك في محاولات من الإنسان الأول للوصول إلى حال من الفهم لمفهوم الوجود البشري في هذا الكون و أسلوب توفير التعايش مع القضايا الخفية عليه...
وتم له في بعض أدائه المعرفي والتعبيري توظيف المسرح ما يسمح لنا بهذه الحال أن نقرأ تلك القضايا المتعلقة بالإنسان وجهوده داخل جغرافية الجمهور الذي كان له الدور الفعال في صيرورة المسرح الذي ما زال ينبض بالحياة حتى يومنا هذا.
ويمكننا البدء بالقول: إنّه لا يمكن أن نعرف المسرح من دون ممثل، كذلك لا يمكن أن نعرف المسرح من دون الجمهور، ذلك لأن الممثل والجمهور هما العمودان المؤسسان تاريخيا للمسرح ظاهرة فنية تعبيرية وفلسفية مضمونية، تنعكس في ارتباطتها وآليات اشتغالها من خلال الصالة و الخشبة...
ففي السابق أو في بدء التحضير لولادة الظاهرة المسرحية لم تكن الخشبة معروفة أو حتى الصالة، فكانت هناك ممارسات دينية لأجل الإله تطلبت أماكن خاصة للعبادة وممارسة الطقوس، حيث كان يلتقي الكهنة مع جمع الناس في المكان المخصص للاحتفال أو العبادة، وكان هناك تقسيم بين مكان الكهنة والإله من جهة و مكان المحتفلين أو المصلين من جهة أخرى.
وفي أعياد رأس السنة الجديدة عند العراقيين القدماء كانت هناك احتفالات متنوعة من الناحية الدينية والاجتماعية، بحيث كانوا يقومون بتمثيل [أسطورة الخليقة، حوادث من ملحمة كلكامش، موت وبعث مردوخ، تمثيل الزواج المقدس]، فضلا عن نزول عشتار إلى العالم السفلي وإقامة الطقوس الخاصة في فترة الاعتدال الخريفي(1)، وهذا ما أتاح واجب وجود مجموعة من الفعاليات التي تتضمن إجراء بعض التدريبات وتوزيع الأدوار وتحضيرات أماكن العرض[التمثيل] و أماكن الجمهور الأمر الذي يعدّ عنصرا أساسا لمكونات العرض، وقد أطلق العراقيون القدماء على المبنى الخاص أو المكان الطقسي، الذي عادة ما كان يقع خارج المدينة اسم [دار الاحتفالات/بيت اكيتو](2)، وشُـيـِّد هذا المبنى لغرض استخدامه لنوع خاص من الاحتفالات تختلف عن تلك التي تقام في المعابد أو في ساحات أخرى كبيرة في المدينة.
بيت أكيتو، ذاك، كان مخصصاً للحفلات التمثيلية حصرا، و الدليل على ذلك و جود ساحة تحيط بها مقاعد للجلوس، و وجود أشخاص يمثلون دور كلكامش و أنكيدو، وخمبابا... إلخ من شخوص الملحمة المعروفة. صحيح كان هذا الدار خارج المدينة لكنه لم يكن بعيدا عن المعبد، وذلك كي يذكر المتفرجين بقدسية المكان التي يجلسون فيه وكذلك كي لا ينسى المتفرج الأهمية الدينية أو الاجتماعية لهذه للمناسبات المحتفى بها هنا في المسرح خارج المعبد وجدرانه وسلطته(3) وهناك ما يدلنا على أن الجمهور يحضر إلى بيت أكيتو لأجل عرض خاص يتلقى فيه قصصا عن التاريخ وعن تجاريب تجيب بخصوص علاقته ببيئته من خلال هكذا نوع من الاحتفالات ذات الطابع الاجتماعي المختلط بقدسية الديني أو الطهري هذا من جانب، ومن جانب ثان جاء هنا ليعطي لنفسه قسطا من الراحة و المتعة، بعد إجهاد ما كان يقوم به طوال يومه وسنته من صيد و زراعة وجمع القوت وترويض الطبيعة الصعبة المتوحشة وكانت الاحتفال أو العرض بالنسبة له مجال للترفيه و الاستمتاع في بعض أبعاده.
أما في مصر الفرعونية(4) فلم تكن العلاقة بين المسرح والجمهور لتختلف كثيراً عن سليلتها في العراق، فنجد المسرح عند مصر الفروعونية عبارة عن ظاهرة احتفالية طقسية جماهيرية عامة، إذ تتم المشاركة بين جموع الناس والكهنة لاحتضان الطقس الديني بحيث تأخذ شكلاً تمثيلياً متنوعأ بالرقص الديني والدنيوي، و الغناء و الموسيقا التي تتضمن الايقاع، وفي هذه الفعاليات كانت هناك مشاركة من قبل الجمهور في أداء الفعل المسرحي بشكل حي و فعال، وكان معظم المشاركين من الذكور..
وتختلف الظاهرة المسرحية هنا نسبيا من حيث الأداء و المهام و الدور في أثناء تقديم العرض الذي كان يبدأ من المعبد و ينتهي بالمقابرعلى الشاطيء الغربي للنيل مروراً بالشوارع و الساحات، فكان يقدم في الساحات وعلى مقربة من المعابد مسرحيات التتويج(5)، وكان انفعال الجمهور واضحأ مع تلك العروض خاصة حيث يظهر التأثر حزنا عندما ينتصر الشر على الخير، والتأثر فرحا ومسرات عندما ينتصر الخير وكان هذا عصب الدراما عند الجمهور، الأمر الذي يبرز آثار التطهير في نفوسهم في أثناء العرض وبعده.
أما الجمهور والمسرح الإغريقي فقد اختلف كثيراً عما هو موجود في العراق السومري ومصر الفرعونية، فكانت أيضا هناك احتفالات و طقوس ديونوزوسية أو باخوسية(6)، تلك التي كانت كذلك عبارة عن احتفالات دينية تتأقلم و تنسجم مع عقيدة اليوناني القديم المقدمة للآلهة ديونيسوس عبر شعائر العبادة ومن ثم تحويلها إلى تمثيلية طقسية تنشدها الجوقة تكريما لديونيسوس حيث كان الموت والبعث موضوع احتفال و تفاؤل يؤخذ به على وفق إيقاع فصلي ينطلق من الشتاء و الربيع ومن جني العنب وموت النبات إلى تجسيد الحياة و الخصب فيه بقوة الشمس.
والمسرح الإغريقي لم يكن في بداياته مستقلاً عن المعبد، حيث كان المسرح بجوار معبد ديونيسوس(7)، ليذكر المتفرجين بأهمية هذا المكان المقدس وألا ينسوا أيضاً أهميته الدينية، وقد رافق الإمتاع الجمهور الإغريقي نحو التطهير ثم تلازمت التسلية مع الفائدة، لنقل خبرة إنسانية هادفة في إطار فني، الغاية منها تعميق و تطوير نظرة الإنسان إلى الواقع و معطيات الوجود، والسعي والمحاولة إلى تغييره، وذلك عبر تغير الذات بفعل المسرح و فنونه و وجود جمهور يواكب العرض منذ بدايته و حتى نهايته.
إن العنصر الدينى كان واضحاً في أذهان الجمهور الإغريقي، وكان للكهنة مكان مهم و بارز في المسرح ممثلا في معبد ديونيسوس، لذا كانت حبكة المسرحية تحتوي دائماً على عقدة دينية مألوفة، لاسيما ظهور الآلهة على خشبة المسرح، التي كانت موضوع معظم المآسي.. وكما نلمسها في مسرحيات أسخيلوس ذات الطابع الديني، ففي هذا النوع من المسرحيات لم يكن الجمهور ضعيفا أو لا يمتلك ذائقة فنية، بل كان له بعد نقدي وجمالي، فالممثل السيء كان يقابل تمثيله في بعض الأحيان بالصفير والرجم بالحجارة حتى يخرج من المسرح، وكانت هناك علامة لاستياء الجمهور الأثيني التي تتمثل بضربهم بكعوب نعالهم الجزء الأمامي من المقاعد الحجرية(، ولو ضرب ثلاثين ألف نعل بهذه الطريقة لأحدث خلخلة في أذني الممثل ما يؤدي إلى الخطأ في أثناء قيامه بالدور، ولذا من الأفضل له أن يترك المسرح، وهذا دليل على أن المتلقي الإغريقي كان يمتلك ذائقة فنية وجمالية بحيث يستطيع أن يميز بين الممثل الجيد و الممثل الردئ.. وهذا يعني أن المتلقي الإغريقي كان ينتج المعنى وكان له تصوراته الخاصة وله خبرة في ميدان التمثيل والنصوص الشعرية.
ولا ننسى أن المسرح الإغريقي هو بداية لجمهور فعلي حيث برز وتميز برأي نقدي وإن جاء عفويا وبسليقة الذائقة وما يمتلك من تصورات بشأن التعبير الجمالي وبعامة فقد كان الجمهور من نوع خاص بالتحديد في أثناء مسابقات المسرحيات الدرامية التي كان يقدم فيها ثلاثة أعمال تراجيدية و واحدة ساتورية ويعقبها تقديم الهدايا أو وسام شرف للفائز بمثل هذه المسابقة.
ولو انتقلنا انتقالة سريعة إلى جمهور المسرح في العصر الأليزابثي الذين كانوا متأثرين في ما يكتبه الكتاب من مسرحيات مختلفة عن مسرحيات الإغريق، فإنّنا سنلاحظ اختلافا في ذائقة الجمهور عن جماهير المسارح الأخرى، لتغير المرحلة والظروف ومستويات وعي الظاهرة جماليا مضمونيا. وكان من أبرز خصائص هذا الجمهور هو تعطشه الشديد للمسرحيات. فقد تم بناء أربعة عشر مسرحاً في ذلك العصر (9) في مدينة يترواح عدد سكانها ما بين مائة ألف ومائة وخمسين ألف نسمة. إن إجمالي عدد المسارح يبلغ خمسة أو ستة أضعاف في أحدث المدن والتي كانت من نفس الحجم.
في العصر الأليزابثي لم يكن هناك جمهور من المتفرجين يمثل جميع طبقات المجتمع في حضوره الدائم، مثل هذا الجمهور، ولكن يمكن أن نستثني الجمهور الأثني من هذه المقارنة. فلقد توافد الجمهور اللندني بشكل كبير إلى مسرح شكسبير والذي كان يضم [النبلاء/المتسولين/نساء البلاط الملكي/البغايا/الجنود/الشعراء، وحتى تلاميذ الحرف الذين يسرقون الوقت من سيدهم ويذهبون لمشاهدة المسرحية]، ويدل هذا على أن المسرح بالفعل هو ظاهرة إنسانية اجتماعية مشتركة بين الجميع تلزمنا بعلاقة بين المسرح وجمهوره.
ومثل هذا الجمهور المتنوع في الثقافات و الأيديولوجيات يجعل ويطلب من الكاتب المسرحي خطابات مختلفة في مسرحية واحدة، كأن يتضمن الشعر أو المشاهد الهزلية أو الرومانسية أو مشاهد تتعلق بمصير البطل كما في مسرحيات شكسبير... و إلخ من أمور تتعلق بجمهور ذي ثقافات مختلفة.
إن من إحدى مطالب الجمهور الأليزابثي هو الحدث المقدم في إطار المآسي التاريخية(10) حتى ولو كان في إطار مسرحية جديدة الطراز، ومطلب آخر لهذا الجمهور يتضمن المواقف والمشاهد الهزلية في المسرحية، فإذا لم يتم ذلك فان الجمهور يغضب، بطريقة السخرية أو التصفير و قذف قشور الجوز على شباك التذاكر، كما حصل عند تعرض مسرح جلوب أو مسرح فورتشون لهذه الحال وهذا التفاعل الاحتجاجي.
ومن طقوس أو أجواء الجمهور الأليزابثي في أثناء ذهابهم لمشاهدة مسرحية هو الاهتمام بالملابس الفخمة التي يستخدم فيها الحرير الغالي الثمن، وكان عندهم ولع بالألوان والاستعراض وكان هذا الطقس موجودا عند كلا الجنسين، وانعكس هذا الذوق في الملابس و الألوان على المسرح الأليزابثي، ما أدى بمن عُني بالاخراح المسرحي لأن يدفع أثماناً باهضة للخياط من أجل خياطة بدلة ذات مستوى رفيع للبطل(11)، وهذا يعني إشارة واضحة لأثر أو دور الجمهور في توجيه أحد مكونات العرض المسرحي وليجعل الاخراج يواكب ذائقة وأسلوب المتفرج في أبعد الأشياء تفصيلا، كما هو الحال مع الملابس والأزياء.
أما فيما يخص جمهور المأساة الكلاسية الجديدة في فرنسا وفي عهد لويس الرابع عشر الذي كان يلقب بملك الشمس، فكان هذا الجمهور يفوق الجمهور الحديث المتوسط في تطلعه الفكري وفي عربدته معاً، ما أدى عند هذا الجمهور إلى التشبع في وصف التحليلات الدقيقة لمشاكل السلوك البشري أو في تنحية وتوجيه الحالات العاطفية في المسرحية الكلاسية الجديدة وكان له رؤية حول المفهوم الاجتماعي للملهاة كما تجسدعند مولير غذا ما أردنا متابعة ملموسة(12).
إن العربدة من طرف الجمهور وعدم السماح لهم بالدخول إلى المسرح كانت تؤدي إلى خلق جو من الاضطرابات الشديدة في المسارح، ما تطلب أحيانا إلى استخدام القسوة والضرب الشديد ووصل في بعض الاحيان الإخرى إلى الطعن بالسكين أو الرمي بالرصاص من قبل النبلاء أو الضباط في أثناء تأديتهم الواجب(13).. ويدل هذا على مدى تعطش الجمهور للعرض المسرحي، وقد عدّ جمهور المسرح الملكي ذاك جمهورا غير مؤدب.
ومعظم الجمهور في المسرح الكلاسي الجديد في فرنسا كان يتألف من مواطني باريـس، وهم من طبقة متوسطة و ميسورة الحال، وكانوا يهتمون بالمسرح و المتعة المسرحية، و أدى هذا الاهتمام لدعم ست فرق مسرحية مختلفة عام 1661 تقدم كل واحدة منها ثلاثة أو أربعة عروض بعد الظهر من كل أسبوع(14)، وهذا ما استفاد منه كتاب المسرح واستثمروه.
إن ذوق هذا الجمهور لم يكن محصورأ في شكل واحد من الأشكال المسرحية، حيث هو الذي رأى لأول مرة مآسي كورنيه و راسـين، و أروع ملاهي موليير وفرقته المسرحية، وإن أرقى المتفرجين في تاريخ المسرحية و المسارح، هو الجمهور الأثني بالدرجة الأولى ومن ثم جمهور لندن في أثناء العهد الأليزابثي و عهد جيمس الأول ومن ثم الجمهور الباريسي في عهد لويس الرابع عشر(15).
هناك كثير من المتفرجين في التاريخ المسرحي ضمن العصر الذي عاشوا وتربوا فيه أصبح لديهم الذائقة والفهم الخاص للمسرحية، بحيث في كل عصر نجد جمهورا خاصا به وبتأثيراته، وهذا يعني ذائقة مختلفة لكل عصر وبطبيعة الحال فهذا الكلام منطقي جداً من وجهة نظري، و الأهم من كل ذلك السلوك و الوعي عند المتفرج أو المتلقي في كل عصر وأسلوب أو كيفية تلقيه المعنى ومشاركته في العرض المسرحي أو تأثير الكاتب الدرامي بالمتلقي كما هو الحال عند العصر الأليزابثي، ما يؤدي إلى وجود علاقة جدلية بين الفنان المسرحي و الجمهور، وباعتقادي فإن النص المسرحي يكتب في ضوء الجمهور المسرحي وأثره وبالارتباط بما يتعلق بالعصر الذي يعيشه فضلا عن بعض الفنتازيا...الذي يكون يتحدد ايضا بمفاهيم العصر، كيما يستطيع المتلقي الوصول إلى معنى وتفسيره للعرض الذي شاهده طوال العرض المسرحي.
إن ذائقة المتلقي تعتمد على البيئة و العمق التاريخي من طرف وعلى الخلفية الثقافية و المعرفية من طرف آخر وهما اللذان يكونان الوعي الإنساني "للمتلقي" وهذا يعتمد على نتائج بحث مجموعة دراسات تحليلية فلسفية تطبيقية، فمثل هذه الدراسات تكتشف دور المتفرج/المتلقي وطبيعته وعلاقته بالحدث المسرحي التي تعيِّن أو تشترط حدود العرض المسرحي، و كذلك لغة النص الأدبي(الدرامي) في نطاق العرض أو لغة نص العرض، التي تقع على عاتق المخرج بالدرجة الأولى وبخلفية تعود إلى المؤلف و يليهما الممثل الذي يحمل هذا الخطاب للمتلقي. يقول أ.د. فوزي فهمي حول المخرج ودوره في العرض المسرحي على [إن بروز دور المخرج و النظر إلى العرض باعتباره [كذا] الحيز الفعلي الذي يظهر فيه المعنى وليس مجرد ترجمة أو زخرفة للنص، ليس إلا مرحلة أولية في تطور فن المسرح يمكن تسميتها التحرر المطرد لعناصر العرض المسرحي](16).
إن الحيز الفعلي الذي يتكلم عنه الدكتور فهمي يعتمد على نظرية الإرسال والتلقي اللتان تعتمدان على وجود طرفين الأول هو الفنان المسرحي(الممثل/المخرج/المؤلف/السينوغراف) إذ لكل واحد منهم أسلوب خاص والثاني هو المتفاعل و الذي له أسلوبه الخاص في فهم رسالة ولغة المرسل، حيث أن دور الفنان المسرحي يعتمد على نقاط جوهرية تتمثل بالتجسيد على الخشبة ضمن الفضاء المسرحي ودلالاته، كذلك قدرة التخيل لدى الفنان المسرحي الذي يساعده على توسيع ذاكرته الانفعالية، وأخيرا التعبير عن أيديولوجية النص الذي يصب في ذهن المتلقي الذي يبحث عن تفسيرات و معاني عديدة، وهذه النقاط تصب كلها في العرض المسرحي الذي يتناول موضوعة أو فكرة ما، والذي يكون العلاقة بين المرسل(الفنان المسرحي) و المتلقي(الجمهور/المتفاعل).
أما دور المتلقي(المتفاعل) فهو تفسير الإشارات و الشفرات التي يبعثها المرسل من خلال ما يجسده الممثل على الخشبة، ثم يقوم المتفاعل بتفكيك الإشارات أو الرموز باحثاً عن معنى. وبرأي الباحث هنا فإن العلاقة بين المرسل و المتلقي تعتمد على التأويل و التفسير، حيث أن التأويل عائد للفنان المسرحي وخاصة المخرج. ويعدّ التأويل جزءا مهما من العملية الإخراجية و الذي يعبر عن رؤية المخرج للنص وأسلوب العرض، وهو أيضاً الجزء من عمل الممثل في إعداد الدور و تفسير الشخصية لأجل تشخيصها.
إن الوظيفة الأساس للتأويل تصب في عملية التلقي وتلقي المتفرج للعرض المسرحي، خاصة أن العرض المسرحي متكون من مجموعة نظم علاماتية دلالية، وهذه الأنظمة تعتمد على الفضاءات المفتوحة فتأخذ فكر و ذهن المتلقي إلى عالم خارج المسرح مرتبطة بالواقع المعاش والحالات النفسية و الاجتماعية و السياسية.....إلخ، وهذا يعتمد على مدى ثقافة المتلقي وخلفيته التاريخية.
المتلقي ينتظر ما يقدمه له العرض المسرحي، حيث تتدخل عمليات عديدة مثل الإدراك و الإحساس ومن ثم المعنى والخزن في ذاكرة المتلقي، المتأثرة بالجو العام للمسرحية من خلال اللغة التي تكون إحدى وسائل الاتصال بين المرسل و المتلقي بحيث يكون لها طابع اختزالي مكثف .
إن تنظيرات السيميولوجيا حسب قول باتريـس بافيس تنطبق أساسا على اللغة وذلك لتأثرها البالغ بالبنيوية، التي تسعى إلى توصيف الوحدات الأساس التي تكوِّن نصا ما و التي تكون ضمن مجموعة تحاليل لتنظيم هرمية العرض المسرحي المتمثلة بوحدة الزمان و المكان المتطورة على يد مبدعيه، وحيث المتفرج يتجاهل بنية هذه الهرمية على الرغم من أنه الشخص الوحيد القادر على إدراك البنية الهرمية و عملية إنتاج المعنى و إرساله.
إن الفنان المسرحي هو الذي يجعل المتفرج يفكر بالمعنى و يدفعه كي ينهض بتفسيره، ذلك لأن دور الإرسال يقع بشكل كبير على عاتق الفنان المسرحي الذي يدير اللعبة ضمن لغة خاصة تحتوي على مجموعة نسق دلالية مركبة في فضاء العرض، وهذا الذي يشكل جدلية العلاقة بين المرسل و المتلقي، وإن المتلقي له جزء قليل لإرسال المعنى وذلك من خلال ردود أفعاله في أثناء العرض المسرحي.
ففي التلفظ المسرحي تتداخل كل العناصر المسرحية و الدراماتورجية التي تساعد على إنتاج المعنى و التلقي، حيث يقول (دوكرو)(17) في التعبير المسرحي و توزيع الأدوار (العلاقة بين المسرح وعلم اللغويات "الخطاب" في الاتجاه المعاكس لتصف استخدام الكلام) وفي الإخراج يقول (الحاجة إلى ماهية المتحدث و المخاطب واعتبار [كذا] الإخراج الدرامي تلفظا مسرحياً شاملاً)، في طبيعة الحال إن الخطاب موجه إلى فرد أو مجموعة ، فمن خلال تفسير نبرات المرسل وحركات جسده (الوجه بالتحديد) يتم تحديد شكل الخطاب فمثلاً أن اقول أين محمد؟ فيمكن قول هذه العبارة التساؤلية بأساليب متعددة في أثناء الخطاب أما بصيغة الترجي أو الأمر أو الاستخفاف....إلخ، ويمكن توظيف عبارة أين محمد بأساليب عديدة ومختلفة كما نلاحظها في فلم الرسالة للمخرج مصطفى العقاد، وعلى المتلقي تفسير العبارة وذلك عبر المشاهد و ربط الأحداث بعضها مع بعض.
إن المثال أعلاه الذي ذكرته يقع ضمن التداولية والتي تعد من أحدث الاتجاهات المتعلقة بدراسة الأدب و الظواهر النفسية بصفة عامة، حيث أن التدوالية تجمع بين مجالات عديدة تتشابك مع بعضها مثل نظرية أفعال الكلام والتي تقوم حسب رأي أرسطو على كل جملة ذات دلالة، أما الفيلسوف الألماني توماس رايد فيطرحها على شكل مجموعة عمليات اجتماعية أو أفعال اجتماعية، وهناك تحليلات و آراء مختلقة حول نظرية الأفعال وأهمها كتاب بوهلر(نظرية اللغة) الذي يسلط الضوء على الوظائف المتعددة للغة منها التمثيل/التعبير/الابتداء(18).
ونظرية التخيل هي الأخرى تقع ضمن التدوالية، كذلك قواعد المحادثة و الحوار التي تستند على المتلقي المستمع المتلقي. أما في المسرح فإن مفهوم التداولية تختلف عما يدرجها اللغويون ضمن تخصصات علم الدلالة مثل(الإحالة و الصيغة ......الخ)، ففي المسرح يكون فهم التدوالية على أنها تحليل الخطاب الدرامي من خلال دراسة معنى و استخدام مفردات الحوار ودراسة ماهية و أسلوب المتحدث أو المخاطب، و للتداولية استخدامات عديدة ضمن البيئة المسرحية* ، آخذةً بنظر الاعتبار النص و طريقة استخدامه و الأفعال المنجزة من خلال النص، واصفا الدراما بأنها جنس أدبي مدروس ضمن معايير نصية متفق عليها مثل الحوار و استخدام ضمير المتكلمين من طرف المتحدثين، كذلك الصراعات المبنية على تصرفات الشخصيات و تطور الفعل الدرامي
إن ما يتعلق بنظرية الإرسال و التلقي كاتجاه جديد في المسرح تقع ضمن قراءات و تطبيقات أدبية فلسفية ومصادرها من جهة و أيديولوجيات مختلفة من جهة أخرى التي تشمل مواضيع عديدة و مختلفة منها ما يتعلق ببنيوية اللغة و الهيكل الدرامي من ناحية التجسيد على الخشبة وإظهار القيم الجمالية لفعل التلقي أو الإرسال ومدى فاعليتها من حيث العلاقة بين النص الدرامي و نص العرض، كذلك رصد وظيفة الدلالات و العلامات داخل العرض المسرحي الذي يتم من خلال الناقد المسرحي و ليس المتلقي العادي في أغلب الأحيان ، حيث أن المتلقي العادي يأتي لمشاهدة العرض المسرحي لمجرد الترفيه أو التعليم أو المتعة.....إلخ، أما بالنسبة للناقد المسرحي فيختلف وجوده في العرض المسرحي و الذي يقوم بتحليل و تفسير النص من جهة وكذلك البحث عن بدائل للفنان المسرحي في حالة وجود خلل في العرض المسرحي أو هو يبحث بشتى الوسائل عن الخلل في الخطة الاخراجية أو أداء الممثل على الخشبة أو نص المؤلف ، ولكن كل هذه الأمور تحصل ضمن إطار فني جمالي لا يمكن الناقد المسرحي تجاوزه، من حيث أن يضع العمل المسرحي لموقف معين بكل ما بذل من جهود و طاقات الى خانة النقد التقني أو الأيديولوجي.
يقول باتريس بافيس(19) (إن درجة إنقرائية** النص وتوجيه القارئ للنص يعتمدان بدرجة كبيرة على معرفة هذا القارئ بالمعايير الأدبية و الاجتماعية)، ولكن ألا تدل هذه الجملة على بحث عن قارئ خاص له خلفية أدبية ثقافية عالية يختلف عن القارئ ذي الإمكانات المحدودة أو الذي يجهل القراءة ؟ ثم ان مفهوم الانقرائية لها محل ضمن السياق الأدبي للنص ويختفي أثرها حالما يتجسد النص على الخشبة، وخاصة عندما تكون المشاهد الأدبية تترجم إلى مشاهد بصرية (أي لغة درامية بصرية) يخفي فيها آثار القارئ و تظهر آثار المتفاعل الذي يشمل جمهورين لهما خلفية ثقافية عالية وجمهور ذات الامكانيات المحدودة...... ففي مسرحية الفنان قاسم محمد (بغداد الأزل بين الجد و الهزل) يتم المشاركة بين نوعين من الجمهور الذي ذكرته، حيث يخرج النص الأدبي من طوعية الكاتب المؤلف ويدخل النص إلى طوعية المخرج المعد على شكل نص العرض وما يحتوي من مشاهد بصرية تجسد بوساطة (وعبر) الفنان المسرحي بحيث تكون عملية الإرسال و التلقي على شكل ذبذبات متبادلة بين المتفاعل و الممثل.
إذن الإرسال و التلقي يتعلق بمجموعة تطبيقات عملية و نظريات و أيديولوجيات ومجموعة من الأبحاث ضمن دراسة مستقلة تتعلق بجمالية العرض المسرحي و تكويناتها بكل نواحيها التي تتعلق بجمالية الإرسال عند المخرج و جمالية التلقي عند الجمهور الذي يكون ضمن فعل المشاهدة لتحقيق حركة المتلقي و كذلك تفعيل التخيل و البعد الأيديولوجي عند المتلقي من خلال بنية الأفعال اللغوية و أفعال الكلام لصنع خطاب جديد ، بحيث تؤدي إلى قراءة جماعية لها عمق تاريخي و فهم للحاضر و رصد المستقبل، حيث يتم فيها توازن بين العرض و التلقي وكذلك إنتاج معنى للمتلقي/المتفاعل.
يحلل الدكتور فهمي نظرية الهرمنيوطيقيا(20) بمعناها الحديث ويحددها على أنها: نظرية لتأويل رموز لغة أدبية لعناصر ثقافة ما، وبناء شكل العلاقة بين النص و المرجعية، معبرا عنها على شكل معطيات غير اللغوية للخطابات بشروط القراءة و الانتاج مستخدماً سياق سوسيوـــ تاريخي الذي يدرجه ضمن سياق الفهم في محاولة استخلاص معنى متجدد والهدف منها إعادة بناء تصور الأشياء، و إنتاج رؤية للعالم، ويصل إلى فهم قراءة عالمة ترفض[النمذجة] و تحرر الإبداع و النقد من أوهام الحقيقة. وبرأي هذا التحليل، بحسب الدكتور فهمي، الأمر موجه إلى العالم الديني و الإسلامي على وجه التحديد لأولئك الذين يرفضون القراءة التحليلية للكتب السماوية المقدسة و محاولة إنتاج المعنى من جديد على يد فلاسفة و علماء مختصين في هذا المجال، وليس على يد رجال الدين الذين يترجمون النص المقدس ضمن رؤية دينية متعلقة بالفنتازيا و اللاهوت.
إن المنهج الهرمنيوطيقي يتعلق في طرق التفسير المخصوصة بمجال العلوم الإنسانية و الاجتماعية ، ويعد هذا المنهج بمثابة ما بعد الحداثة، على الرغم من أنها ارتبطت بأساليب التفسير الفنية للكتب الدينية أو شرح صفحات منفردة من الإنجيل و الكتب المقدسة و الكتب الكلاسيكة، إلا أنه أخذ مجالا أوسع للعلوم الاجتماعية وإتاحة الفرصة للمسرح من خلال تطوير الفلسفة والأنثروبولوجيا(علم الإنسان)...
ففي الاتجاه الادراكي لتطبيقات العلوم و الفنون يقول إيلينور شافر: (إن الإنجيل ليس نصا منزلا أو موحى به بصورة فريدة ، بل انه ذاته نص له طابع أدبي) فالانجيل و الكتب المقدسة للأديان هي نص أدبي ضمن طقوس وتراتيل دينية غير مفسرة طالما ظلت أسيرة الطقوس هذه، لذا نرى في المسرح تفسيرات و تأويلات لهذه النصوص بلغة دلالية مكثقة ترتبط بالدراما كوسيلة للتفسير و\أو التأويل، وخاصة أن علم الهرمنيوطيقا هو ذلك العلم الذي يسمح بإيضاح الأمور الغامضة المخفية تحت عباءة الدين و التاريخ ، ثم يعمل هذا المنهج على تحديد و تفسير معنى جديد للنصوص القديمة ضمن سياق أدبي جمالي رفيع، والذي بنظري يحتاج إلى جرأة عالية من قبل الباحث، بشكل عام إن الهرمنيوطيقا هي دراسة لتاريخ الأفكار والحالات الاجتماعية و الانسانية و الانتقال من نمط تفكيري إلى نمط آخر مختلف نوعيا.
لقد قدم هيردر(21)الذي هو أحد أعلام التنوير في ألمانيا، تفسيرات و مبررات جديدة لبعض النصوص الشكسبيرية(مسرحية الملك لير)، وكما نقد بشكل جديد روح العصر و الذي يفكر بإعادة الصياغة التاريخية الجديدة بحيث يكون مفهوماً للقارىء الحديث(الجيل الحديث). أما محاولات فريدريك شيللر فهي أيضا تقع ضمن تفسيرات جديدة للكتب الدينية و الميثيولوجيات، أي أن جميع الفلاسفة و الكتاب كانوا يحاولون أن يجدوا تفسيرات و مبررات جديدة تلائم العصر الذي يعيشون فيه وكانت هناك أيضا بعض الرؤى المستقبلية للمجتمع الإنساني في أوروبا وهذا ما أدى إلى التقدم الثقافي في البلدان الأوروبية، على عكس البلدان الشرقية(العربية) فمن الصعب التكلم عن الهرمنيوطيقا في إطار الحديث في النص القرآني وتفسير معاني الكلمات و القصدية من لغة القرآن على وفق هذا العلم.
الهرمنيوطيقا هي في الخلاصة شكل من بناء النص و هدمه وبنائه من جديد ضمن سياق تاريخي فلسفي أدبي ومفهوم العصر الحديث، هو علم لتأويل النص وفهمه، ولقد ركز فيلهيلم ديلثي على البعد التاريخي لتفسير المفاهيم الإنسانية و الاجتماعية المعاشة، ولكن الظن أنه يمكن أن يكون قد نسى البعد النفسي و البعد الطبيعي، وهذان البعدان مرتبطان ارتبطاً وثيقاً بالخيال و كذلك تفسيره للخيال في حقبة زمنية ما، كان فيها الوعي البشري في مستوى بسيط من اللغة و الفكر، وحيث الفن حسب قول استانسلافسكي "هو نتاج الخيال كما ينبغي أن يكون عمل كل كاتب مسرحي ، وينبغي أن يحصر هدف الممثل في استخدامه مهارته الفنية لتحويل الرؤية الى واقع مسرحي"(22)
إن ما أشير إليه من خلال هذه المقولة هو مفهوم الفن بجميع أشكاله وخاصة فن الكتابة المسرحية ضمن السياق التاريخي ويجب ربطها بالبعدين النفسي و الطبيعي ومن ثم ربطها بعلم الهرمنيوطيقي الذي له منحى تأويلي وربطها بالواقع مسرحي.
يذكر إيلينور عن تجربة ديلثي في مجال الهرمنيوطيقا "أن كل مواقف الحياة إذا فهمنا طبيعته فهماً تاماً، يماثل شكلا من الأشكال الفنية. وقد عرف هذا بأنه الصيغة الكامنة في العقل". لكنني أرى بأن هذه المواقف الحياتية تساق ضمن المحاكاة للكلمة/الظرف التاريخي/ للانسان نفسه الذي يعبر عن الاحداث الكبرى ضمن واقع تاريخي معاش،وهذا الواقع تكتشف من خلال تجارب و تحاليل وبحوث،مما يؤدي الى المفهوم الدرامي و البنية الدرامية من خلال الواقع المعاش.
إن الدراما في المسرح هي ذلك الفعل الذي يمكن له تجميع الماضي بالحاضر وبالرؤية المستقبلية في لحظة معينة عبر الأحداث و الصراعات، فيرى هيجل(23) أن اشكال الوعي هو الذي يسيطر على الدراما في الأدب الحديث من خلال منظور تاريخي يصور التتابع الديناميكي لأشكال الوعي، ويرى جورج لوكاش(24) بأن تاريخ الدراما الحديث بالتفصيل في ضوء المبدأ التفسيري الذي نادى به ديلثي، وهو أن الإنسان يعرف نفسه من خلال التاريخ و ليس من خلال الغوص في أعماق ذاته، كما يرى ريموند ويليامز (25)في المأساة الحديثة (إن الأزمة الأعمق في الأدب الحديث هي تقسيم التجربة على فئتين، اجتماعية و شخصية. ///فالمأساة الاجتماعية يتحطم فيها الناس بفعل القوة والفاقة، وتدمر فيها حضارة أو تدمر نفسها، وهناك المأساة الشخصية: حيث يعاني الرجال و النساء ويتدمرون من خلال علاقتهم الأكثر حميمية، ويدرك المرء مصيره في مجتمع بارد حيث الموت و العزلة الروحية المطلقة أشكال بداية للمعاناة و البطولة).
ولذا نرى آراء و أفكار يبدو كأنها جديدة ، ولكن هي في الأصل موجودة ضمن الوجود البشري في الكون، لكن العملية البحثية و التفسيرية والتأويلية لرسم الأشكال الأدبية هي التي نضَّجت هذه الأفكار من خلال الوعي البشري ضمن دراسة خاصة تسمى الهرمنيوطيقا التي يعرفها شافر (بأنها ذلك العلم الذي يسمح بإيضاح الأمور الغامضة و إزالة التشويهات التي قد تنجم عن تقادم العهد بعبارة ما قيلت في الماضي) وهذا التعريف أثبت صوابه حتى اليوم.
ورداً على فكرة تيرنر(26) عن أنثروبولوجيا العرض على أنها جزءا من أنماط العروض الثقافية* تشمل الطقوس و الاحتفالات، و الكرنفالات، والمسرح و الشعر. فأولا إن المسرح و الدراما لا يقعان في خانة الطقوس و الاحتفالات الدينية، وثانياً إن الطقوس و الاحتفالات و الكرنفالات لها طابع ديني أكثر مما هو ثقافي، والطقوس الدينية المعادة في كل سنة هي مكررة ولا تضيف شيئاً من الثقافة للمتلقي المثقف و حتى غير المثقف، إذا كان ضمن مجتمع مسيحي أو إسلامي أو أي دين لمجتمع آخر.
أما لو أردنا الحديث عن العروض الثقافية، فهي تلك العروض التي تتمثل بالإبداع وخلق كل ما هو جديد، وغير متعارف عليه من قبل، ومن ثم نتثقف من خلال هكذا نوع من العروض يمكننا التسلح بالثقافة، كما نستطيع القول إنه يمكن توظيف الطقوس و الاحتفالات ضمن الدراما و المسرح ولكن ان وضعنا في العرض قيما جمالية تظيف شيئا جديد للمتلقي على أن نتحرر من شكلها الطقوسي و الكرنفالي.
ولذا أرى أن الهرمنيوطيقا تظل ذلك العلم الذي يتحمل المزيد من البحث و القراءة في مجال العلوم الإنسانية و الاجتماعية. وفي نهاية بحثي الموجز أقول إنني حاولت إضافة شيء للمسرح وللدراسة المسرحية ضمن رؤى و أفكار قد تتفق أو تختلف مع القارئ ، و لربما فاتتني قضايا لم أتطرق إليها بما ينضج ويستكمل جهدي المتواضع بسبب عدم توافر المصادر العربية الكافية هنا في بلدان المهجر ولأسباب أخرى متنوعة
الخميس مايو 26, 2011 2:12 am من طرف الكينج
» عزاء واجب
الخميس مايو 26, 2011 2:10 am من طرف الكينج
» * تستعد فرقه المسرحجيه لعرض مسرحيه طريق الخلاص اعداد واخراج عادل جمعه *
الأحد أبريل 03, 2011 12:47 am من طرف الكينج
» المخرج عادل جمعه
السبت أبريل 02, 2011 3:23 am من طرف الكينج
» لحظات فى عيون شهداء 25 يناير بقلم / حسين محمود
الأحد مارس 06, 2011 1:06 am من طرف الكينج
» سجين نفسى (( اهداء للصحافة الاعلام المصرى ))
الأحد مارس 06, 2011 1:04 am من طرف الكينج
» يوم الثورة
الأحد مارس 06, 2011 1:01 am من طرف الكينج
» .. الخلطة السرية للوصل الى الديمقراطية
الأحد مارس 06, 2011 12:59 am من طرف الكينج
» النقد المسرحى و مسرح الهواة
الأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:57 pm من طرف الكينج
» «مملكة النمل».. يكشف القضية الفلسطينية
الأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:50 pm من طرف الكينج
» مسرح الهواة.. الاستراتيجية والمنهج
الأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:47 pm من طرف الكينج
» الشافعي يعيد "جمال عبد الناصر" مع "عشاق النيل"!
الأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:42 pm من طرف الكينج
» حاليا على مسرح قصر ثقافة السلام
الأربعاء ديسمبر 22, 2010 12:14 am من طرف الكينج
» حصرياً - فيلم الكوميديا الرائع ( سمير وشهير وبهير ) نسخه جديده ts.hq أفضل وضوح - بحجم 200 ميجا - وعلى أكثر من سيرفر
الأربعاء نوفمبر 24, 2010 4:04 pm من طرف الكينج
» بإنفراد تام أسطورة الكوميديا عادل إمام فى فيلم العيد وقبل العيد زهايمير بجودة خرافية وتحميل مباشر على أكثر من سيرفر
الأربعاء نوفمبر 24, 2010 3:57 pm من طرف الكينج
» بإنفراد : نجم الكوميديا الأول أحمد حلمى و فيلم العيد الرهيب بلبل حيران . بجودة High CAM وتحميل مباشر على أكثر من سيرفر .
الأربعاء نوفمبر 24, 2010 3:54 pm من طرف الكينج
» حصريا .. أحدث ألعاب كرة القدم والتاكتيك . Fifa Manager 2011 بمساحة 2.4 جيجا فقط على أكثر من سيرفر
الأربعاء نوفمبر 24, 2010 3:49 pm من طرف الكينج
» لعبة المتعة والاثارة .. Creatures Exodus نسخة فل ريب بمساحة 170 ميج فقط ..
الأربعاء نوفمبر 24, 2010 3:46 pm من طرف الكينج
» لعبة الاكشن والمغامرات الرائعة :: Alien Breed 3 Descent Repack :: مضغوطة بحجم 353 ميجا فقط
الأربعاء نوفمبر 24, 2010 3:42 pm من طرف الكينج
» مسرح الهواة
الثلاثاء أكتوبر 05, 2010 12:59 am من طرف الكينج